الحكيم المربي

 

الحكيم المربي

أ.د. بن عيسى عبد النبي.. فراسة مؤمن وجراحة خبير.

‹‹عملت رفقة فريقي لسنين طويلة، بذلنا فيها قصارى جهدنا، ومهما كانت النتيجة التي حققناها فلسنا راضين بها... نطمح للأحسن دومًا.. نتوسَّم في شبابنا خيرًا كثيرًا، وعملًا مخلصًا، ونتائج أكثر إرضاء››.

الاسم: بن عيسى 

اللقب: عبد النبي

تاريخ ومكان الميلاد: 23 جوان 1950م البليدة. 

المسار الدراسي:

المرحلة الابتدائية في مدينة البليدة: 1956-1962م.

المرحلة الثانوية مؤسسة فيكتور هيغو، الجزائر العاصمة، 1963-1966م وثانوية الإدريسي: 1967-1968م.

كلية الطب والصيدلة، جامعة الجزائر، 1968-1975م.

المسار التأهيلي:

قسم جراحة الأعصاب، المستشفى الجامعي مصطفى باشا، 1975-1979م.

قسم جراحة الأعصاب، مستشفى علم الأعصاب وعلم جراحة الأعصاب، ليون (فرنسا) 1983-1985م.

قسم جراحة الأعصاب، كونتونسبيتال، زوريخ (سويسرا)، مارس 1985-سبتمبر 1985م.

شهادات مجالس الإدارة.

الدكتوراه في الطب 1975م.

التأهيل في جراحة الأعصاب 1979م.

النشأة والدراسة

وُلد البروفيسور "عبد النبي بن عيسى" في الثالث والعشرين من شهر جوان 1950م، أبوه "حسان عبد النبي" من ولاية المدية، وأمه "فاطمة الزهراء ميري" من الجزائر العاصمة.

عاش عبد النبي بن عيسى طفولته في البليدة إلى أن بلغ مرحلة الدراسة الثانوية، امتازت طفولته بكثيرٍ من الصرامة والجدية التي كانت تنتهجها أمه في تربيته وإخوته الثلاثة (عبد الكريم، فوزي -رحمه الله-، حنيفة) حيث كانت لا تسمح لهم باللعب خارج البيت، إلَّا نادرًا، ومقابل ذلك كانت تحفزهم على الاهتمام بدراستهم، وتعينهم على التفوق فيها. ثمَّ تكافئهم نهاية الأسبوع بأن تأخذهم برفقتها إلى الحمام الشعبي، فهناك يلتقون بأطفالٍ صغار في مثل عمرهم، فيلعبون ويمرحون.

ارتبط ابن حي باب الدزاير (حي باب الجزائر) -البليدة- ارتباطًا وثيقًا بأمِّه، فهو يحكي عنها أنَّها كانت لا تستهين بنظافة وأناقة أبنائها، خاصّةً أثناء توجّههم للدراسة كلّ صباح؛ تنظّفهم، تعطّرهم، تُلبسهم أنظف وأليق ما عندهم، تسرح شعرهم بأناقة... إلى أن لاحظ ذلك أساتذته فأثنوا عليه وعلى إخوته وأكبروا في الوالدة الجهد الذي تبذله، رغم قلَّة الإمكانات، وعسر الحال... أمَّا الأب "حسان" فقد كان يعمل مهندسًا معماريًّا إلى جانب نضاله مع «المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني»  «O.C FLN» في الولاية الرابعة، هو كغيره من الآباء في ذلك الزمن، قليل الكلام، صارمٌ وجاد، وما ذلك إلَّا لِـما عاشه من فقر وحرمان، وتحدٍّ مرير في سبيل العيش الكريم.. كان "بن عيسى" يرى في والده الرجل الوقور ذا الهيبة، فكان نادرًا ما يعصي له أمرًا، أو يخالفه في رغبة. وكذلك كان يراه أغلب أفراد عائلة عبد النبي.

مكث التلميذ "بن عيسى" في مرحلة الدراسة الابتدائية بمدرسةpierre cazenave»  ›› بالبليدة (ابتدائية سيدي يخلف حاليا)، من سنة 1956م إلى 1962م، تأثَّر فيها بأساتذته كثيرًا، فهو لازال يذكرهم رغم تقدمه في السن، فعلى يدهم تعلَّم الاحترام بشتّى صوره؛ احترام الوقت، والغير، بل وحتّى احترام نفسه بالتزامه بالأخلاق الحميدة، واللباقة في الكلام، والأدب في التعامل.

ولقد عُرف التلميذ "بن عيسى" بفطنته وذكائه، فقد كان متفوِّقًا في كل المواد، وكان من بين الجزائريين القلائل الذين تفوقوا بجدارة على أقرانهم الفرنسيين، رغم تفاوت المستوى المعيشي وتباين الإمكانات بينهم. وبالموازاة مع هذا كان يداوم على المدرسة القرآنية في حيِّه مرَّتين في الأسبوع.

"لقد تأثرت كثيرا بجديَّة أبي وحنان أمي، لقد كانا يصنعان معًا حياةً متوازنة، لأسرة أراداها أن تكون ناجحةً، تمتاز بالخلق الرفيع، والأدب الجم".

الدراسة الثانوية:

انتقل "عبد النبي بن عيسى" بجدارة  إلى ثانوية  « Duveryier » (ابن رشد حاليا) في مدينة البليدة، سنة 1961م، ولم يمكث فيها إلَّا بضعة أشهر حيث اضطرَّت العائلة للانتقال إلى الجزائر العاصمة في سبتمبر 1962م، نظرًا لظروف عمل الوالد، الذي عُيِّن حينها مديرًا في وزارة البناء وإعادة التعمير (وزارة السكن والعمران -حاليا-)، وفي الجزائر العاصمة، التحق الطالب بن عيسى بثانوية «فيكتور هيغو» (Victor Hugo) والمسماة «عمر راسم» حاليا، وسبب اختيار تلك الثانوية قصّة يرويها البروفيسور "عبد النبي بن عيسى" إذ يقول: «لقد كان والدي يرغب في أن ألتحق بسلك الأطباء يومًا ما، ولم يرد حينها أن يفرض عليَّ وجهة نظره قسرًا، بل أراد أن يدفعني لذلك بطريقة غير مباشرة، فاقترح عليَّ أن ألتحق بثانوية «فيكتور هيغو» لأنَّهم يدرسون اللغة اللاتينية، التي تعود إليها معظم أصول المصطلحات الطبية، وبهذا يكون والدي قد خطا الخطوة الأولى في توجيهي لدراسة الطب في المرحلة الجامعية». لكن الطالب بن عيسى لم يتقبل دراسة اللغة اللاتينية لتعقدها، ولنفور نفسه منها، فلم يتفوق فيها البتّة، وتمَّ إعادة توجيهه إلى ثانوية «الإدريسي» في سنة 1966م.

بعد سنتين من التحاقه بالإدريسي تحصَّل بن عيسى على شهادة البكالوريا بجدارة واستحقاق مكناه من أن يختار التخصص الذي يريد، وفي خضم مرحلة التفكير والمشاورة مع الأهل والأصدقاء، تعدَّدت خياراته بين الهندسة والدبلوماسية والطب.

تناهى إلى سمع بن عيسى إطلاق منحة دراسة الهندسة في كندا، فأعجب بالأمر وهمّ أن يتقدم لها، إلَّا أنَّ معاناة أبيه مع جرحه المزمن في ساقه، واكتشافه لرغبته في أن يلتحق بالطب، جعلاه يُحجم عن ذلك وينضمُّ إلى كلية الطب في الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.

أمَّا حلم التحاقه بالسلك الدبلوماسي الجزائري، فقد تخلّى عنه نظرًا لكثرة عدد المترشحين لاختيار التخصص، وقلَّة عدد المقبولين فيه، فلم يرد "بن عيسى" أن يخوض المغامرة من أساسها، لاعتقاده أنَّ نسبة النجاح فيها ضئيلة جدًّا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عزوف والديه وعدم رغبتهما في التخصص.

تأثَّر البروفيسور "بن عيسى" بعدَّة أساتذة تعاقبوا على تدريسه في الثانوية منهم: أستاذ مادة الفيزياء «براهمي»، وأستاذ الرياضيات «حنيش»، وأستاذ الفلسفة «طارق ماسكينو»، وأستاذ اللغة العربية «لزهر»، وكذلك أساتذة آخرون غيرهم... كما ربطته صداقات وطيدة بطلبة متفوقين يذكر منهم: «علي حاشد» الذي شغل منصب نائب المدير العام لسونطراك، "سعيد مكاوي" -مستشار بوزارة الصحة والسكان حاليا-، و«نافع إيوالالان» رئيس قسم جراحة الأعصاب بمستشفى آيت إيدير، و«أحمد مسيلي» الأمين العام لوزارة الطاقة سابقا، «بلقاسم وخالد» مدير قسم الإعلام الآلي بشركة سوناطراك  (SONATRACH) -سابقا-.

"علاقتي بوالديّ، علاقة ود واحترام متبادل، أرقى من علاقة أمر ونهي من والدين لابنهما، حيث لا أذكر أنني مررت بأية مرحلة حساسة احتجت فيها لقرار حاسم، إلّا وكانا نعم المشيرين... بل نعم الصديقين، وبخاصة والدتي العزيزة –رحمها الله -.

"بن عيسى" الشاب الطموح والمجد، لم يكن يتوانى يومًا عن زيارة المساجد والتعرف على أئمتها، وحضور حلقات الدرس فيها، فقد تعلَّم اللغة العربية وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، واستمع إلى العديد من الدروس والخطب التي استقى منها تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتعلَّم من خلالها أسس السيرة النبوية الطاهرة، وأخلاق الصحابة الكرام، فقد كانوا ولا يزالون قدوته في عمله الإنساني، وفي تعامله مع المرضى الذين يعتبرهم «محتاجين» وجب عليه تقديم يد العون لهم، احترامًا ورحمةً.

 

"كان يعاني والدي –رحمه الله- من جرحٍ مزمنٍ في رجله، لا يعلم به أحد غيري ووالدتي –رحمها الله- وهذا الجرح كان من أهمِّ الأسباب الّتي جعلتني أتوق إلى دراسة الطب، وممارسته، لعلي أسهم في شفاء والدي وأكون سببًا في شفاء الكثير من الناس"

المرحلة الجامعية (دراسة الطب العام):

فتحت الجامعة المركزيَّة بالجزائر العاصمة (بن يوسف بن خدة حاليا) أبوابها في الموسم الدراسي 1968/1969م، لطلَّابها الجدد، وكان من بينهم «عبد النبي بن عيسى» الّذي دخلها وكلّه عزيمةٌ وإصرارٌ على التفوق والنجاح بين أحضان كلية الطب، فكانت بداياته على غرار زملائه الآخرين عبارةً عن جولة بين التخصصات الطبية المختلفة، يتعرفون نظريًّا على مصطلحات كل تخصص، وعلى ماهيته، بالإضافة إلى زياراتهم العملية لمستشفيي «مصطفى باشا»، و«علي آيت إيدير» بالجزائر العاصمة، وهكذا دواليك إلى السنة الخامسة، حيث يتحول الطالب من نظام «خارجي» إلى «داخلي» أي أنَّه يصبح أكثر ارتباطًا بالمستشفى من ذي قبل، كما أنَّه يقترب من المرضى ويعالجهم، وفي ما تبقى له من مدة يكملها بتكوينات عمليَّة ونظرية مكثَّفة في التخصصات التالية: الجراحة العامة، أمراض النساء، طب الأطفال والطب الداخلي إلى غاية سنة التخرج.

بعد اجتياز فترة السَّبع سنوات المخصَّصة لدراسة الطب العام والاطلاع على كلّ التخصّصات، حان الوقت لأن يفكر الدكتور "عبد النبي بن عيسى"، في التخصص، لكن قبل ذلك عليه أن يتفوَّق في المسابقة الوطنية التي كانت تُجرى آنذاك لطلبة الطب الراغبين في اختيار التخصص، فتفوّقه وتحصّله لأعلى المراتب في المسابقة، سَيتيح له مجالًا واسعًا من الاختيارات. وقد اجتازه الدكتور "بن عيسى" بتفوّق كعادته، وبقي له أن يختار التخصص بعناية.

احتار بن عيسى بين اختيارين اثنين لا ثالث لهما، بين تخصص «أمراض القلب» و«جراحة المخ والأعصاب»، وكلاهما ذو أهميَّةٍ بالغة لجسم الإنسان، وحياته عموما، فعاش "بن عيسى" كما يقول صراعًا افتراضيًّا بين القلب والعقل، فكلاهما له دور في اتخاذ الإنسان لقرارات معينة، وفي ردود الأفعال أيضًا... هنا وفي هذه اللحظات العصيبة، يلجأ «بن عيسى» إلى والديه وبالأخصِّ إلى أمه ليستشيرها طالبًا منها العون في اتخاذ القرار، فكانت إشارة أمه له وبموافقة والده هي الدافع له للاختيار، أشارت له أمه ببساطةٍ بالغةٍ، وقالت فيما معناه؛ إن القلب موطن المشاعر والعواطف، وإن العقل سيد المنطق والتفكير السوي، فاختر العقل الواضح الجلي، واترك القلب الغامض المعقد... فكان رأي الأم هو ما ارتاح له الابن، فقرَّر "عبد النبي بن عيسى" أن يحزم حقائب الجِد من جديد، ويربط حزام المثابرة ليسافر بين أرجاء المخ والأعصاب، متعلِّمًا ومكتشفًا.

 

مرحلة التخصص في جراحة الأعصاب:

في مطلع سنة 1975م كان الدكتور «عبد النبي بن عيسى» ضمن الطلبة القلائل المنضوين تحت مظلة «تخصص جراحة المخ والأعصاب» بمستشفى مصطفى باشا، الذي كان يشرف عليه: البروفيسور «محمد عبادة» بمساعدة: البروفيسور «أحمد بوصالح»، والبروفيسور الإيطالي «إيغنازيو  غالي (IGNAZIO GALLI)  «بالإشراف على الجانب البيداغوجي، لقد كان هؤلاء الثلاثة أعمدة تخصص جراحة الأعصاب في الجزائر، لما يتميَّزون به من تمكّن وأقدمية في المجال، وخبرة، بالإضافة إلى هيبتهم وأخلاقهم العالية.

يحكي البروفيسور «عبد النبي بن عيسى» عن أستاذه البروفيسور «محمد عبادة» قائلًا: «لقد كان مربيا قبل أن يكون أستاذًا، تعلَّمنا منه الكثير في جراحة المخ والأعصاب، لكن تعلمنا منه أيضًا الانضباط في العمل، والالتزام بالوقت.. لقد كنَّا نخجل من أنفسنا كثيرًا حين نتأخر عن اجتماع معه، أو عن محاضرة يلقيها، ببعض الدقائق عن الوقت المحدد، وإن فعلنا ذلك فإنَّنا ندخل على رؤوس أصابعنا بحذر شديد، مخافة أن نشتِّت تركيزه، ونقلّل من احترامه».

كانت العلاقة الّتي ميَّزها الاحترام بين طلبة جراحة الأعصاب وأساتذتهم أكبر وأرقى من علاقة درس وتعلم، بل كان الطلبة آنذاك -بخاصَّةٍ المتفوقون منهم- يرافقون أساتذتهم إلى كلِّ العمليات الجراحية التي يقومون بها، ويتنقلون معهم بين مستشفيي «مصطفى باشا» و«علي آيت إيدير»، ويشرفون برفقتهم على امتحانات طلبة الدكتوراه.

كان الطلبة يرون في أساتذتهم المثل الأعلى، والقدوة المثلى، فقد انتشوا فخرًا لما رأوا أستاذهم الخلوق "محمد عبادة" يرأس فريقًا طبيًّا عالميًا، مكوّنًا من أهمِّ الأسماء الموجودة في عالم الطب وقتذاك، التي حلَّت بالجزائر من أجل علاج الرئيس الراحل "هواري بومدين" في مستشفى "مصطفى باشا"، سنة 1978م، وكانت تلك فرصةٌ وتجربةٌ لن تتكرر كما يصفها البروفيسور «عبد النبي».

مرَّت سنوات دراسة التخصص على أحسن ما يرام وأنهاها سنة 1979م، فهي من أجمل وأكثر مراحل الدراسة تميزًا واستفادة للدكتور «بن عيسى عبد النبي»، إلى أن جاءت أول مشاركة له في مؤتمر دولي خارج الوطن، من تنظيم الجمعية الفرنكفونية لجراحة الأعصاب -باريس- سنة 1980م، بصفته عضوًا ملاحظًا، وهناك تعرَّف على البروفيسور الفرنسي الشهير «مارك ساندو (Marc Sindou) « الذي ألقى محاضرةً عن «العلاج الجراحي للألم الحاد في الوجه (العصب الخامس في المخ) NEVRALGIE TRIGEMINALE ESSENTIELLE-»-«، فلفت الموضوع انتباه «بن عيسى» وهو الذي كان قد شغل باله كثيرًا، فبحث فيه طويلًا وقرأ عنه الكثير، إلى أن استقرَّ الأمر أن يجعله موضوع بحثه الذي به ينال درجة البروفيسور.

نحو درجة «البروفيسور»:

في سنة 1983م وبعد استشارة للعائلة انتقل الدكتور «بن عيسى» إلى فرنسا وبالضبط إلى مستشفى الأعصاب وجراحة الأعصاب -ليون- *Pierre Wertheimer * Hôpital Neurologique et Neurochirurgical - رفقة زوجته وأبنائه، بمنحة من الدولة الجزائرية للتعمق أكثر في موضوع بحثه الذي اختار له عنوان «دور جراحة الأعصاب في علاج الآلام المزمنة» تحت إشراف البروفيسور «مارك ساندو»، مرَّت الأسابيع الأولى بين الدكتور الباحث وأستاذه البروفيسور، في جسِّ النبض واختبار كلٍّ منهما للآخر، في طريقة التعامل، والسلوك، والجدية والانضباط والالتزام، إلى أن ارتاح كل منهما للآخر، ورأى الأستاذ من طالبه ما جعله محلَّ ثقةٍ واحترام.

كان الدكتور الباحث «بن عيسى» يقضي أكثر من 14 ساعة عمل يوميَّة مع البروفيسور «ساندو» في المستشفى، بين قاعات الجراحة، وحجرات الدرس، وغرف المرضى، لقد كانت حياة البروفيسور «ساندو» -كما يصفها البروفيسور بن عيسى- كلها في المستشفى من مريض إلى آخر، مما جعله يكتشف في أستاذه إخلاصه وحبه الكبير لرسالته الإنسانيَّة، فقد كان البروفيسور ساندو يحنو على مرضاه كثيرا ولا يفارقهم يومًا إلى أن يتماثلوا للشفاء، كان إنسانيًّا معهم على اختلاف أعراقهم وأديانهم... هذا الذي تعلمه البروفيسور «بن عيسى» إذ يقول: «لا يمكن للطبيب أن يكون طبيبًا حقيقيًّا إن لم يتَّصف بالإنسانيَّة رحمةً ورأفةً وودًّا واحترامًا للمرضى الذين يُعَالَجُون بين يديه، وإن انتفت الرحمة من قلب الطبيب، فَقَد أجلَّ وأسمى الصفات، والباقي لا يعدو أن يكون شكلًا ومظهرًا».

وفي صميم بحث الدكتور «بن عيسى» اكتشف أستاذه البروفيسور «ساندو» تقنيَّةً جراحيَّةً دقيقة لإيقاف الآلام المزمنة التي يعاني منها المريض، رغم تشخيص المرض ووصف الدواء له، والفترة العلاجيَّة التي يخضع لها، إلَّا أنَّ الألم يزداد حدَّة، وبعد القيام بتعديلٍ دقيقٍ جدًّا في وظيفة الأعصاب الناقلة للألم، يمكن لهذا المريض أن يتخلَّص من ألمه نهائيًّا، وقد كانت هذه التقنية الجراحيَّة خاصة بالبروفيسور «ساندو» متفرِّدًا ومتميِّزًا بها في عالم جراحة الأعصاب أجمع.

استفاد البروفيسور "بن عيسى" من أبحاث أستاذه في علاج الآلام المزمنة، وقرّر أن يُدخل التقنية الجراحية إلى الجزائر بعد أن تمكن منها بمشاركته في إجراء 150 عملية جراحيَّة رفقة البروفيسور "ساندو"، لكن قبل ذلك نصحه أستاذه أن يطلب من الدولة الجزائرية، أن تمدِّد له في منحته وتسمح له بإكمال تكوينه في سويسرا -Hôpital universitaire de Zurich-   تحت إشراف البروفيسور: «جون سيقفريد  Jean Siegfried--»، فكان له ذلك في أواخر سنة 1984م، وهناك لم يختبر أشياء جديدة من الجانب العلمي بل أكَّد أخلاقيًّا أنَّ مهنة الطب لا تكتمل إلا بالإخلاص، لِـما رأى من تفان وإخلاص كبيرين عند الجراحين والأساتذة الكبار هناك، ومنهم البروفيسور التركي «غازي محمود يازاركيل -Mahmut Gazi Yaşargil- » الذي احتفل سنة 2005م، بعيد ميلاده الثمانين وهو لازال يعمل كالنحلة رغم تقدمه في السن بين مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية.

عاد البروفيسور «عبد النبي» إلى الجزائر في مارس 1985م، وقدَّم أعماله وبحثه لنيل درجة البروفيسور، فكان له ذلك بجدارة واستحقاق في جوان 1985م من جامعة الجزائر.

الحياة المهنية:

مباشرةً بعد التخرج انضمَّ البروفيسور «عبد النبي بن عيسى» إلى قسم «جراحة الأعصاب» بمستشفى مصطفى باشا، وانطلق مع الفريق الطبي المرافق له في إجراء عمليات جراحيَّة لعلاج «الألم الحاد في أعصاب الخد -Névralgie Trigeminale Essentielle-» بتقنيَّات جزائريَّة محليَّة استحدثها البروفيسور «بن عيسى» بنفسه، بعد أن استعصى على إدارة المستشفى استقدام أجهزة من خارج الوطن، منها الّتي كان يستعملها ويتدرب عليها البروفيسور «بن عيسى» تحت إشراف البروفيسور «ساندو». وتُوّجت هذه التجربة الجزائريَّة الرَّائدة بمقالٍ علمي مفصَّل، يشرح فيه البروفيسور «بن عيسى» وفريقه وسائل عملهم، والتقنيات الّتي استعملوها، وحالات المرضى المعالجين... إلخ. إلى أن غدت هذه الطريقة مرجعًا يُستند إليه في مستشفيات العالم مشرقًا ومغربًا، ففي سنة 2014م نشرت مجلة « Surgical Neurology   International» تقريرًا مفصَّلًا عن جهود الفريق الجزائري في علاج 905 حالة بتقنيتهم الفريدة (مع تسجيل حالة وفاة وحيدة في بداية التجربة).

هكذا تُوِّجت حياة البروفيسور «عبد النبي» المهنيَّة بانطلاقة علميَّة فريدة، بعد أن نجح رفقة فريقه في تخطي أوَّل تحدٍّ وعائقٍ وقف في طريقهم.

عمل البروفيسور «عبد النبي» منذ 1985م مع فريقٍ من الدكاترة الشباب، على إجراء آلاف العمليَّات الجراحيَّة، وعلى كتابة العشرات من المقالات العلميَّة، والمشاركة في الملتقيات الدولية في أشهر العواصم العالميَّة، وحرص البروفيسور على نقل عدَّة خصائص أخلاقيَّة لفريقه، ولجميع من يعمل معه، من الرفق في التعامل، والانضباط في العمل، واحترام الوقت، وتقدير جهود الغير، كُلّها كانت مبادئٌ أساسيَّة ولازالت مع كلِّ من يشتغل إلى جانب البروفيسور عبد النبي.

يُولي البروفيسور عبد النبي أهميَّةً كبيرةً للعمل الجماعي، والتداول العلمي المشترك، ففريقه الّذي كوَّنه لازمه منذ مطلع التسعينيات إلى يوم تقاعده، منهم من خطا خطواته الأولى معه في جراحة الأعصاب، وهو اليوم مرجعٌ في الجزائر قاطبةً، في تخصّصه.

ومع توالي التجارب، وتراكم الخبرات، انتقل البروفيسور «بن عيسى» إلى مستشفى زميرلي بالحراش لإنشاء قسم جراحة الأعصاب هناك، فشغل منصب رئيس القسم منذ سنة 1989م إلى يوم مغادرته في  شهر جويلية2017م ، فكان البروفيسور أهلًا للمسؤوليَّة، وأهلًا للمنصب بجميع صفاته الأخلاقيَّة الّتي يمتاز بها، وبشخصيَّة الأستاذ المربي التي يتميز بها.

"عِشرة الناس والتعامل معهم أمرٌ معقَّد، فكيف بشباب عنفواني، يشاركك يومياتك كلّها لسنوات عديدة، كذلك كان فريقي... كنت أتعامل معهم بيد من حديد، مغطاة بقفازات من حرير، أي بصرامة الأستاذ ورحمة المربي".

تميَّز فريق البروفيسور عبد النبي أيضًا على المستوى الفردي، فمنهم الدكتور «عبد الرحمن تيكانوين» الذي برز على المستويين الجزائري والعربي في إجراء العمليات الدقيقة جدًّا في المخ والمريض في حالة وعي واستيقاظ

 (Brain surgery on awaked patient).

وكذلك كلُّ عضوٍ في الفريق متميِّزٌ في تخصُّصه ومتمكِّنٌ منه. وقد أجرى البروفيسور "عبد النبي" وفريقه دورات تكوينيَّة لدكاترة من دول عديدة إفريقيَّة وعربيَّة، في مختلف مجالات جراحة الأعصاب. بالإضافة إلى دروسٍ عمليَّة عن بعد لجراحين خارج الوطن.

كما أنَّ الفريق عُرف منذ 2006م بإجرائه للعمليَّات الجراحيَّة من أجل علاج مرض «الباركينسون» (Parkinson’s disease)، وذلك بتقنية التنبيه الكهربائي، حيث وصل عدد العمليَّات الناجحة في المجال إلى أكثر من 70 حالة.

                   وفي المجمل وصل عدد العمليات الجراحية التي أجراها فريق البروفيسور «عبد النبي بن عيسى»

إلى أكثر من 22 ألف عملية.

بين العائلة وضغوط العمل:

يؤكِّد البروفيسور "عبد النبي" على دور شريكة الحياة الرئيس في دعمه وتوفير الجوِّ الهادئ والمريح في البيت، وصبرها على ضغوط عمله وغيابه عن البيت في كثير من الليالي نظرًا للمسؤوليَّات الكثيرة المترتبة عن كلِّ عمليَّةٍ جراحيَّةٍ يُجريها البروفيسور أو يشرف عليها.

كما أنَّ عمل الزوجة دكتورةً مختصةً في تشريح الأورام، ساعدها في تفهم انشغال زوجها، وتقبُّلِ أَثَرِ ذلك على نفسه، خصوصًا إذا تعلَّق الأمر بعمليَّةٍ معقَّدة لم يكتب لها النجاح، أو بحالة مريضٍ ميؤوسٍ منها... فإنَّها في هذا الوضع -يؤكد البروفيسور- تقف إلى جانبه مواسيةً ومؤازرةً ومخفِّفةً عنه.

 

المناصب الأكاديمية:

- أستاذ مساعد في جراحة المخ والأعصاب، كلية الطب في الجزائر العاصمة، 1979-1984م.

- أستاذ مشارك في جراحة المخ والأعصاب، كلية الطب في الجزائر العاصمة، 1985-1990م.

- أستاذ جراحة المخ والأعصاب، كلية الطب في الجزائر العاصمة، منذ عام 1991م.

- رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب، المستشفى الجامعي  سليم زميرلي، الجزائر، منذ عام 1989م إلى تاريخ تقاعده. 

- رئيس مجلس الممتحنين للمجلس العربي للصحة -الجامعة العربية- في جراحة المخ والأعصاب: 2010-2020م.

 

إسهاماته العلمية وعضوياته الأكاديمية:

1. على المستوى الوطني:

- رئيس المجلس الوطني لجراحة المخ والأعصاب: 1991-1995م.

- رئيس المجلس الطبي لمستشفى سليم زميرلي 1992-1995م.

- مؤسِّس وعضو الجمعية الجزائرية لجراحة المخ والأعصاب –SANC -.

- رئيس الجمعية الجزائرية لجراحة المخ والأعصاب(SANC)   2002-2003م، مع تنظيم 3 مؤتمرات وطنية: 2001، 2002، 2003م.

2. على المستوى الدولي:

- عضو الجمعية الفرنكفونية لجراحة المخ والأعصاب  1986م (Société De Neurophysiologie Clinique De Langue Française –SNCLF-.

 -عضو أكاديمية نيويورك للعلوم 1995م.

- مندوب المغرب العربي في اللجنة التنفيذية للجمعية الفرنكفونية لجراحة المخ والأعصاب(SNCLF) 2003-1997م.

- مؤسِّس وعضو الاتحاد المغاربي لجمعيات جراحة المخ والأعصاب: 1990م.

- عضو اللجنة العالمية لجراحة المخ والأعصاب الوظيفية والإبرِية ثلاثية الأبعاد (WFNS): 1999-2002 و2005-2009م.

- مؤسِّس الجمعية العربية للجراحة العصبية (Pan Arab Neurosurgical Society) :        1997م.

- رئيس الجمعية العربية للجراحة العصبية (Pan ArabNeurosurgical Society): 2010-2012م.

- تنظيم مؤتمر الجمعية العربية للجراحة العصبية 2010م، و3 مؤتمرات دولية للجنة العالمية لجراحة المخ والأعصاب الوظيفية والإبرِية ثلاثية الأبعاد 2012-2013-2015م. 

- عضو الأكاديمية العالمية لجراحي المخ والأعصاب:(World Academy of Neurological Surgeons –WANS-) 2011م.

- عضو المجلس العلمي للمجلس العربي للاختصاصات الصحية -جامعة الدول العربية-: 2010-2020م.

- الأمين العام للجمعية العربية لأمراض وجراحة العمود الفقري        ( Arab Spine Society)  في عام 7-2014201م.

- عضو هيئة التدريس في الدبلوم العربي لجراحة العمود الفقري (Arab Spine Diploma): 2014-2016م.

- الرئيس الفخري لجمعية جراحة المخ و الأعصاب الوظيفية و الإبرِية ثلاثية الأبعاد بالشرق الأوسط 2016م.

- عضو بورد المدراء للجمعية العلمية لجراحة المخ و الاعصاب الوظيفية والإبرية ثلاثية الأبعاد: 2017-2021م.

 

استحداث وتطوير تقنيات جديدة لجراحة المخ والأعصاب في الجزائر:

- ألم الأعصاب منذ 1983م (Neuropathic pain).

- التشنج والتهاب العصب الخامس منذ 1985م . (Spasticity and trigeminal neuralgia)

- مرض باركنسون في عام 2006م. (Parkinson’s disease) 

- جراحة المخ على المريض وهو في حالة وعي واستيقاظ: 2009م .(Brain surgery on awaked patient) 

- خلل التوتر العضلي في عام 2012م .(Dystonia)

 

الإسهامات في التأليف العلمي المشترك:

فصل في تطور علم جراحة الأعصاب في العالم العربي، خلف المتايري، في 96 صفحة، 2004م.

فصل في الكتاب التطبيقي في علم جراحة الأعصاب، المجلد الأول 464-481، 2009م.

فصل في كتاب التطبيقات الأساسية في علم جراحة الأعصاب الصادر من طرف الفيديرالية العالمية لعلم جراحة الأعصاب. ص1139-1149، 2010م.

 

هيئات التحرير:

- عضو هيئة تحرير «المجلة الجزائرية لجراحة المخ والأعصاب»، الجريدة الرسمية للجمعية الجزائرية لجراحة المخ والأعصاب.

- عضو سابق في هيئة تحرير «المجلة الإفريقية للعلوم العصبية»، الجريدة الرسمية لأطباء الأعصاب الإفريقيين.

- عضو هيئة تحرير «مجلة الجمعية العربية للجراحة العصبية»، الجريدة الرسمية للجمعية العربية للجراحة العصبية.

- عضو ناقد سابق في مجلة الخدمات الطبية الملكية الأردنية بعمان.

- عضو ناقد سابق بمجلة   « Acta Neurochirurgica»المجلة الرسمية لجمعية جراحة الأعصاب الأوروبية.

- عضو الهيئة الدولية لجراحة المخ والأعصاب. المجلة الرسمية للمجلس الأمريكي لجراحي الأعصاب .«Neurosurgery »

تكريمات وجوائز:

- جائزة أفضل مقال علمي محّكم من «الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث»  (FOREM)1996م.

- المواطن الفخري لمدينة «توزر» -تونس: 2003م.

- جائزة من الجمعية العربية للجراحة العصبية: 2010م.

- وسام الاستحقاق من المجلس الإسلامي الأعلى -الجزائر: 2011م.

- المجلس العلمي للاختصاصات الطبية للجامعة العربية: 2014م.

- الجمعية المغاربية لجراحة المخ والأعصاب -تونس: 2015م.

- كلية الطب -جامعة باجي مختار- عنابة: 2016م.

-جائزة ثاني أفضل طبيب عربي ضمن فعالية جائزة الطبيب العربي لسنة 2021 المقدمة من طرف مجلس وزراء الصحة العرب.