الاسم: جمال
اللقب: ميموني
تاريخ ومكان الميلاد: من مواليد عام 1956م، بباريس (فرنسا).
الميلاد والنشأة الأولى:
ولد الرائد جمال عام 1956م في قلب عاصمة فرنسا؛ مدينة النور "باريس"، حيث قضى فيها سنواته الأولى، ودرس المرحلة الابتدائية، وبعد ذلك عاد وعائلته إلى الجزائر العاصمة ليبدأ مرحلة جديدة في وسط مختلف عن سابقه، عُرف الفتى جمال منذ صغره بشغفه وولعه بالعلوم، وكانت أسئلته تحوم حول نشأة النجوم والسُّدُم والمجرات وتطور الكون ومصيره، وهكذا تشكلت بذور ميوله الأولى ومنافذه الفتيّة نحو المعرفة والبحث العلمي.
وكان يطالع في المكتبة القريبة من الحي الذي يقطن فيه " La bibliothèque minicipale" بـميسوني " Meissonier" ، وكانت الكتب المتوفرة حينها قديمة لكنها مثيرة ومليئة بشتى المعلومات في الفلك و الملاحة الفضائية.. فبدأ اهتمامه يتشكل وينمو بفضلها في العلوم عموما والكونية منها خصوصا.
خلال المرحلة المتوسطة التحق بثانوية فيكتور هوغو" Lycée Victor Hugo" _ عمر راسم حاليا_ حيث كان يتم دمج الطورين آنذاك لفئات معينة كالمهاجرين والجالية الدولية والفرنسية، وكانت المدرسة تابعة لما يعرف بـ " L’office Français".
"والدتي فرنسية، ونشأت بفرنسا، ولم أكن أعرف اللغة العربية إطلاقا، لذا كان علي اللحاق بمدارس تدرّس باللغة الفرنسية، بعدما أصر والدي بأن نرجع للاستقرار بالجزائر"
واصل الطالب المجد دراسته بثانوية الإدريسي، حيث تم إغلاق مؤسسة فيكتور هيغو بمجرد وصوله إلى مرحلة الثانوية، ليعملوا على تحويل الطلبة إلى ثانوية ديكارت "Lycée Descartes "، وبدأ يتعود على نمط التعلم باللغة العربية بالرغم من بعض العراقيل والتحديات، وفي هذا السياق يقدّم الأستاذ جمال ميموني رأيه وتجربته في مسألة تعريب العلوم بعد تدرجه.
"أرى أنه من المهم تعريب جميع العلوم في الجامعة، وأنا شخصيا حاليا أدرّس طلبة الليسانس باللغة العربية، ولم أدرّس أبدا باللغة الفرنسية باستثناء العام الذي اشتغلت في جامعة أم البواقي بعد رجوعي من أمريكا، أما بالنسبة للدراسات العليا فأدرس باللغة الإنجليزية منذ 30 سنة، في كل جامعات العالم يدرسون الأطوار الأولى باللغة الوطنية، وفي التخصص ومرحلة البحوث فتكون باللغة الإنجليزية".
وخلال هذا الطور كان يدرسه أستاذ مادة الفيزياء الملقب بـ "أفوغادرو"، كان بارعا ومتقنا، ويطرح أفكاره بشكل مبدع ويسير، فكان دافعا لأن يحب الطالب المتطلع "جمال" مادة الفيزياء بشكل أكبر، ويجعل أسئلته حول هذا العلم تزداد وتتعمق.
كما أنه مرّ ببعض الظروف السلبية أيضا نوعا ما، كأن يطلب الأستاذ من الطلبة الاكتفاء بالفهم السطحي، أو فهم مقارب للظاهرة وغير حقيقي، كان يشكل عائقا له _حسب وصفه _ ويجعل الأمور محدودة أمامه، لكن من المؤكد أنه لم يكن لذلك آثار وخيمة بل الآن يتذكر ذلك بنوع من الطرفة اللطيفة.
"من وجهة نظري وبتأمل موضوعي لمسار التعليم في الجزائر، فإنني لا أرى أن مستوى التعليم تراجع مقارنة بالماضي كما يراه الأغلب بدافع نفسي، بل بالعكس أجده أكثر كفاءة، لأنه في الماضي كان متاحا للطالب الذي لازال في طور الدراسة الجامعية الأولى أن يلتحق لتدريس طلبة الثانوي، وهذا كان غير كاف، وقد تجد بعضهم غير مؤهل تماما لذلك، بالإضافة إلى أن الكثير من الأساتذة كانوا أجانب، وبغض النظر عن مستواهم المتخصص فإنه لا يجب أن ننسى عائق اللغة".
ختم مساره الأول الحافل بالتفوق والتميز وكذا المفعم بالتحديات بنيله لشهادة البكالوريا باستحقاق وجدارة عام 1973م، فكان من الأوائل في الثانوية وتحصل على الشهادة في عمر السادسة عشر.
رحلة التخصص ومسارات أخرى:
انخرط الطالب جمال في دراسة الفيزياء النظرية والحصول على ما يسمى بدبلوم الدراسات العليا المعمقةDES والذي يعادل حاليا مستوى الماستر، فكان له ذلك بعد أربع سنوات من العمل الجاد والمتفاني عام 1977م.
عقب ذلك وفي نفس العام سافر إلى أمريكا بمنحة من الحكومة الجزائرية لاستكمال دراسته والتحضير لأطروحة الدكتوراه في نفس التخصص، وبجامعة بنسلفانيا " University Of Pennsylvania " بمدينة فيلادلفيا " Philadelphia " وهي من أعرق الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية ومصنفة ضمن IVY League.
بدأتِ المرحلة الجديدة بمحور الدراسات اللغوية، وأتمّها الأستاذ جمال في شهرين عوض سنة كاملة، لنيل شهادة التوفل " TOEFL" في اللغة الإنجليزية بالنسبة المطلوبة والتي تسمح له بالالتحاق بالجامعة.
تجدر الإشارة بأنه كان يود المواصلة في مجال الفيزياء الفلكية، لكن لم يُقبل كون منحة الحكومة الجزائرية التي أرسل على أساسها كانت لدراسة الفيزياء النظرية، لم يكن بالعائق الكبير لأنه مع مرور الوقت تقارب التخصصان، وكان يدرس في ساعات إضافية بعض مقاييس الفيزياء الفلكية والتي لم تكن في تخصص الفيزياء النظرية.
تُوجت المرحلة بنجاح واستحقاق مع ما عرفتْ من عوائق، وتشرف الفيزيائي ميموني بشهادة الدكتوراه في فيزياء الجسيمات دون نووية، عام 1985م.
"استغرقت مني الدكتوراه وقتا طويلا نسبيا، هي تجربة لا تنسى، عمقت فيها معارفي، وزادت فيها تجربتي، رحلة علمية ونبع معرفي متجدد"
بالموازة مع أبحاث الأطروحة والتي امتدت لسنوات إضافية، كان طالب الدكتوراه جمال حينها ناشطا في العديد من المؤسسات والجمعيات، ولديه عمل متواصل بصفته رئيسا لاتحاد الطلبة المسلمين؛ والذي يُعنى بتنظيم لقاءات وأنشطة مع الجالية الإسلامية بأمريكا، كما خاض تجارب متعددة في المجال الخيري مع جمعيات أمريكية لمساعدة المحتاجين والفقراء، والبعض الآخر كان ضد العنصرية، وما إلى ذلك من القضايا الإنسانية والاجتماعية.
تقلد الأستاذ جمال عدة مناصب في هذا الصدد طيلة وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية وهي كالآتي:
رئيس جمعية الطلبة المسلمين بجامعة بانسلفانيا لعدد من السنوات، كما كان الأمين العام للمجلس الإسلامي لوادي ديلاوار (Islamic Council of Delaware Valley) الذي كان يضم حوالي 20 مركزا إسلاميا ومسجدا بالولايات: New Jersey, Pennsylvania, Delaware.
أسس مؤسستين للدعوة الإسلامية:
- مؤسسة الخدمات الإعلامية الإسلامية (IIS : Islamic Information Services)
- الدعوة عن طريق المراسلة البريدية (DBM : Daawah By Mail )
رئيس لجنة الإغاثة لللاجئين الأفغان بفيلادلفيا، وتم تكريم جهود اللجنة من طرف رئيس بلدية فيلادلفيا نفسه.
عمل في الميدان الدعوي بين المعتقلين المسلمين في السجون الأمريكية.
ويضيف البروفيسور جمال ميموني معلقا حول ذلك: " البيئة الأمريكية بيئة مساعدة، دافعة ومحفزة نحو الإبداع، ولاحظت ذلك جليا بعد عودتي للجزائر؛ إذ وجدت صعوبات كثيرة للاستمرار في المبادرات الدعوية، الخيرية والإنسانية، فحولت اهتمامي مع مرور الوقت إلى الجانب العلمي ضمن إطار جمعية الشعرى لعلم الفلك".
"يُضفي العمل الميداني والتشاركي للإنسان خبرة حياتية ملهمة، وذات فوائد عديدة، هذا ما آمنت به وحاولت تجسيده خلال دراستي بأمريكا"
في أرض الوطن مجددا:
عاد الدكتور جمال ميموني إلى أرض الجزائر في نفس سنة حصوله على شهادة الدكتوراه، ليشرع رحلته في عالم العطاء والتعليم وتبسيط العلوم، مارّا بعدة تجارب مميزة؛ متقلدا العديد من المهام؛ ومنتجا لأفكار ومشاريع خادمة طموحة، ليترصع مساره وككل مرة بعمل جبار وسعي دؤوب.
ألقى محاضرات عامة في المركز الجامعي بأم البواقي، وجهت آنذاك للجمهور بمختلف طبقاته، وقد عرفت اهتماما واستحسانا كبيرين، وحضور من مختلف الأجناس: فيتناميون، يمنيون، سوريون ومصريون، ومن هنا برزت فكرة تبسيط العلوم للعامة في مواضيع الفيزياء والفلك والعلوم وعلاقتها بالإيمان.
أخذ أيضا على عاتقه مهمة تكوين أساتذة في الفيزياء والجغرافيا، ونظم ندوات تشهد حضور 100 إلى 200 أستاذ، وبالتنسيق مع مديرية التربية، حول إمكان مشاركة العلم مع الطلبة وأساليب التبسيط وتحبيب تلك المواد العلمية لهم.
أشرف على تنظيم محاضرات بالخصوص في جامعات الوسط: جامعات منطقة القبائل بجاية، تيزي وزو.
تم استدعاؤه أيضا من مختلف لجان الأحياء في عدد من الولايات لتقديم مداخلات تثقيفية في مجال العلوم.
بالنسبة للتدريس الرسمي فقد عمل في كل من المدرسة العليا للأساتذة بأم البواقي، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة 1، وجامعة أدرار.
"همي ومصبُّ اهتمامي الأول، نشر الثقافة العلمية، وكيف يمكن أن يصبح العلم همٌّ مجتمعي يتشاركه كل الناس بمختلف طبقاتهم، يتبادلونه، ولأجله يعقدون جلساتهم، عندما يرتفع المستوى الجمعي للناس، وعندما ينتشر الوعي، حينها سيكون المجتمع في أعلى المراتب، وحينها فقط يمكن الحديث عن الإنتاج الحقيقي".
تبسيط العلوم.. الطريق إلى ميلاد الشعرى:
تخصص العالم جمال ميموني في الفيزياء النظرية وعلى وجه الخصوص في فيزياء الجسيمات "Particle physics"، والتي أصبحت مقترنة بتخصص الفيزياء الفلكية، لذا يمكن الاعتبار بأنه فيزيائي نظري وفيزيائي فلكي في نفس الوقت، وتخصصه الدقيق يتمحور حول فيزياء الجسيمات الفلكية أو فيزياء فلك الجسيمات أو ما يسمى بـ " Astroparticle physics"، وهو تخصصه الحالي بعد 30 سنة من التدريس والبحوث، وللإشارة فهو مجال جديد ولم يكن موجودا قبل عشرين سنة من الآن.
بينما مجالات اهتماماته فهي واسعة، إلا أنها تقتصر في المجال العلمي على كل ما هو مرتبط بتبسيط وتوصيل العلم إلى الجمهور العام في علم الفلك أو العلوم جميعها بصفة عامة قصد تحقيق التثقيف العلمي للمجتمع أو ما يسمى بنشر الثقافة العلمية، أي رسالته تتمحور حول إيصال العلم الحديث للمجتمع بمختلف أطيافه، ففي نظره وليكون المواطن مواكبا لعصره فإن ذلك يتطلب أن يكون له اطلاع واسع وثقافة شاملة حول آلية عمل الأشياء وما وراء الظاهر أمامنا من التكنولوجيات؛ من تقنيات ونظريات وبحوث ودراسات، وفهم العالم المحيط والقريب منا أيضا، فلا يجب أن نعرف كيف تشتغل الأشياء، وإنما يجب أن نفقه الخلفية الواقفة وراءها، وهذه هي البذرة الأولى لسطوع لمعان الشعرى في سماء جمعيات الجزائر التليدة.
"النجوم ليست فقط نقاط ضوئية إنما عبارة عن أفران نووية، شموس بعيدة، يحدث داخلها عشرات المئات من التفاعلات.. التي تنتج طاقة عن طريق تحول الهيدروجين إلى هيليوم...
ولو وضعنا الشمس مكان نجم آخر... لظهرت كنقطة لامعة بعيدة تماما كالنجوم الأخرى، أي أن الشمس هي نجم أيضا، تظهر بذلك التوهج لقربها من الأرض، هذه أفكار بسيطة على الناس معرفتها".
الحياة العلمية:
نشر عددا من البحوث في مجلات علمية دولية في ميدان الفيزياء الجسيمية، الفيزياء الرياضية والفيزياء الفلكية.
عضو ممثل للجزائر بمكتب الشورى للمعهد الإفريقي للعلوم الرياضية (AIMS) بمدينة كاب تاون (Cape Town) بجنوب إفريقيا، وهو أرقى مركز تكوين في الفيزياء الرياضية في إفريقيا حاليا.
نائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك (AUASS).
مراسل للجزائر لدى الجمعية الفلكية الفرنسية (SAF: Société Astronomique de France) وهي أكبر وأعرق جمعية فلكية فرنسية بل أوروبية.
عضو المكتب التنفيذي للمشروع الإسلامي لرصد الأهلة ICOP (The Islamic Crescents Observation Project) التابع للمركز الدولي للفلك IAC (International Astronomical Center).
عضو مؤسس ورئيس جمعية الشعرى لعلم الفلك والتي تهتم بتبسيط العلوم والتي تنشط منذ أكثر من عشرين سنة.
مؤلف كتاب تبسيطي في تاريخ العلوم الكونية مع الدكتور نضال قسوم : قصة الكون، من التصورات البدائية إلى الانفجار العظيم، عرف أربع طبعات، ثلاثة جزائرية وواحدة لبنانية.
مؤلف بالاشتراك مع مجموعة من الباحثين لكتاب L’islam et la science.
مهتم بقضايا العلم والمجتمع ونشر له عدد من مقالات تحليلية مطولة، خاصة في جريدة Le Quotidien d’Oran.
نشاطات أخرى:
البروفيسور جمال ميموني، عضو فرقة بحث " العلم والدين في الإسلام" "Science et Religion en Islam تابع للجامعة متعددة التخصصات بباريس ضمن مجموعة من علميين ومفكرين مسلمين، ومشارك في كتاب جماعي، الناتج من أعمال هذا الفريق سينشر قريبا.
أسهم سنة 2007-2008م، في تأسيس مدرسة الدكتوراه: في الفيزياء الفلكية بقسنطينة وباتنة، وهو حاليا منسقها والقائم عليها.
حاليا رئيس الجمعية الفلكية الإفريقية (المؤسسة المهنية الوحيدة على مستوى إفريقيا) AFAS African Astronomical society.
حاليا مدير مركز وحدة البحث في الوساطة العلمية ونشر ثقافة العلم (Reseach Unit in Scientific Culture and Mediation ).
التكريمات والجوائز:
الجمعية الفلكية الفرنسية.
وسام العالم الجزائري عام 2008م.
جائزة إيريكا المتوسطية في مدينة العلوم بتونس العاصمة، فيفري 2020 (Le Prix Eureka de la culture scientifique).
شهادة في حق البروفيسور جمال ميموني:
- الأستاذة " خولة العقون": طالبة طب، وعضو مكتب في جمعية الشعرى لعلم الفلك:
"كنتُ أرى الأستاذ جمال ميموني من بعيد وأنا طفلة صغيرة، نظّارتانِ واسعتان وشعرٌ أبيض يعلوه الوقار، لكنّه كان فريدًا وسط الجموع ومختلفًا عن البقيّة، أذكر أنني قلت في نفسي : ما أعظم نشاطه ! كان يتحرّك في كل صوب ويقضي كلّ أمر ويوجّه هذا ويشرح لذاك ويبتسم للصغار في مرح وبراءة ويلعب معهم أحيانًا، فكان انطباعي عنه أولا أنه إنسان عميق الشعور كثيرُ الإحسان إلى من حوله، مُحبّ لمساعدة الجميع باذلًا من وقته وجهده بل حتى من ملء يمينِه. انضممت بعد ذلك إلى جمعيّة الشعرى لعلم الفلك وأنا ما أزال في المرحلة الثانويّة، فرأيته أليَنَ النّاس وأكفأهم وأقدرهم على أداء المهام بسرعة وفاعليّة، غزير العلمِ متعدّد المهارات، يتوثّب ذكاؤه من عينيْه قبل أن تراه متمثّلا في طبائعه، لين الجانب طيّب العريكة، له إصرار وإرادة عجيبان يجاوزُ بهما أكثر الشباب يفعًا وإرادةً! لا يكلّ له عزم ولا يملّ له سعيٌ. لطالما وجّهنا وعلّمنا كيف نفكّر بحكمة، وكيف نحلّل ما يجري من حولنا تحليل الذكيّ الكيّس الذي لا يحكم على الأمور إلا بعد عمق تحليل. رجل طموح معطاءٌ لا تحسب كلّ دقيقة من عمره إلا وبذلت عطاءً لمن حوله من طلبته وتلاميذه في كل مكان، فالأستاذ جمال ميموني مُعلّم الجميع، لا يحتقر رأيا ولا يُقلّ لأحد جهدًا. لم أر مقبلًا على نشر العلمِ كإقبالِه، ولا أحرصَ على النّاس من أنفسهِم كحرصِه ولا أكثر حملًا لِهَمّ الأمّة ونهضةِ الإسلام مثل همّه".
جمعية الشعرى الفلكية... لبنة أخرىفي مسار البروفيسور الرائد جمال ميموني
أزيد من عشرين سنة في خدمة العلم والمجتمع.
لقاء مع الأستاذ نائب رئيس الجمعية، مراد حمدوش،
الشعرى... الفكرة والميلاد:
قبل عشرين سنة وفي مدينة الجسور المعلقة، قسنطينة المفعمة جمالا وأصالة، وفي سمائها الممتدة نقاء وصفاء، بزغ نجم الشعرى اللامع، فإذا ما صوب الواحد منّا عينيه نحو السماء ليلا لم يجد أكثر منه ألقا وأشد منه سطوعا وضياء..
انبثقت للوجود الشعرى في صورتها الأولى والتي كانت تحت مظلة الجامعة سنة 1995م حيث كانت عبارة عن لقاءات دورية في مجال علوم الفلك والفيزياء تحت إشراف البروفيسور جمال ميموني، ويقول الأستاذ مراد حمدوش معقبا على هذه الانطلاقة: " التحقتُ بالجامعة المركزية بقسنطينة في عام 1994م بعدما كنت أزاول دراستي في جامعة أخرى، وزرتها أول مرة قصد استكشافها ومعرفة مرافقها وإذا بي أجد إعلانا حول دروس دورية في مجال علوم الفلك والفيزياء، سعدت بالأمر وكانت فرصة ماتعة جدا، بدأتُ دراستي الجامعية وبالموازاة التحقت بهذا النادي وكلي شغف وحماس للتعلم والاستزادة، لا سيما وأني محب للسماء منذ الصغر ولي بها علاقة وطيدة وكلما شاهدت ظاهرة توالت الأسئلة في خاطري، وقد زدت بها تعلقا حين انضممت في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية التي فتحت لي آفاقا في هذا الصدد.
وبمرور الوقت أصبحت مواظبا على حضور حلقات الأستاذ البروفيسور " جمال ميموني".. دروسه وتوجيهاته ضمن النادي، وحتى أنه في بعض الأحيان يتصادف موعد الدروس الفلكية وبرنامج دراستي فأعمل على اختيار حصص النادي.. وهكذا تعرفت أكثر على الأستاذ جمال وأعجبت بشخصيته العلمية المعطاءة وأخذت منه الكثير في شتى الميادين، وقد نسقت معه لاحقا بعض المداخلات التي كان يقدمها لصالح الكشافة".
بعد سنوات من العمل المستمر، اللقاءات، الحوارات، الورشات والبرامج المختلفة...تم التفكير في تنظيم برنامج منفصل عن الجامعة على مستوى الولاية، كون اللقاءات الفلكية التي كانت تُنظم ضمن إطار الجامعة تعرف انقطاعات بسبب العطل ... وهذا ما لم يُستسغ حدوثه، إيمانا من النادي بأن البقاء في الجامعة فقط سيكون محدود العطاء ومقيد التحرك.
"رحب الأستاذ جمال ميموني بالفكرة، بعد لقاء حميم جمعنا في منزله لتناول المسألة بتفصيل أكثر وبالفعل تم الشروع في رسم الخطة الابتدائية، وكانت حاضنة البرنامج الجديد الكشافة الإسلامية الجزائرية، وقد سميناه آنذاك بـ " الجمعية الكشفية لعلم الفلك، الشعرى"، وقد تم استشراف برنامج دقيق ومحكم لها".
لاقت الجمعية الوليدة بعض العراقيل والإشكاليات في طريقها لأن تصبح أكثر نشاطا، وعلى أنقاض ذلك تأسست جمعية الشعرى لعلم الفلك، بشكلها الجديد، مع الاحتفاظ على أغلب العناصر والخط العام لفلسفة الجمعية واهتمامها.
لتتحصل على الاعتماد الرسمي في عام 1996م، بينما كان الشروع الفعلي، والميلاد الحقيقي، واللقاء العملي الأول للجمعية في تركيبتها الحالية، بتاريخ 16 جوان 1996م.
الشعرى... مجال الاهتمام، الأهداف والرسالة:
يتمحور مجال الاهتمام حول كل ما له علاقة بعلوم الفضاء والفلك وهذه تعتبر النظرة الأولى للجمعية، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر توسعا، حيث نجد أن كل العلوم تلتقي في نقطة معينة وتشترك في بعض الأصول والمنطلقات والمخرجات، لذا يمكن القول بأن الشعرى أصبحت تهتم بكل ما له علاقة بالعلوم والثقافة العلمية على وجه عام وبالفلك على وجه أخص.
أما الأهداف التي تبنتها الجمعية الفلكية فهي تتركز على:
- نشر الثقافة العلمية في أوساط المجتمع، وتبسيطها وتقديمها في قالب متخصص وماتع في الآن نفسه.
- محاولة لمّ شمل الفئة المثقفة قصد توحيد الجهود وتوجيهها، والنقل بها إلى مستويات أفضل.
- القيام بمشاريع ذات نفع مباشر على المجتمع بكل أطيافه وأصنافه، صغارا وكبارا.
وبهذا تكون رسالة الشعرى خدمة المجتمع أملا في نهضة علمية مغيرة فاعلة ومحركة، ودفعا بالطاقات المتخصصة للمشاركة في هذا الزخم وتقديم ما يمكن تقديمه في هذا السياق.
"تمثلت الغاية القصوى من وراء الشعرى، في أن نجعل العلم يمشي في الأسواق، تتناقله الألسنة، ولأجله تعقد الجلسات، أن يرتفع الوعي الجمعي للناس، وأن يكونوا أكثر معرفة وفقها بالواقع وعن العلم وما وراءه".
تبسيط العلوم، لماذا يعد مهما؟
من بين كل الأشياء التي يحبها الشعب الجزائري _ وليس هو فقط_ الأشرطة العلمية الوثائقية والتي تتناول مواضيع علوم الفضاء والفلك، وخاصة في هذا المجال لأنه مرتبط وجدانيا بديننا ومعتقداتنا كمسلمين، وتوجد الكثير من المواد العلمية سواء ككتب أو أشرطة أو أفلام، لكن فكرة اللقاء مع شخص متخصص يقدم الأمر ويشرحه ويفسره ببساطة وسلاسة وبشكل مفصل، فهذا شيء صعب وغير متاح للمجتمع والجمهور العام، وقد يتوفر لكن بطريقة رياضية فيزيائية بحتة، ومن هذه الحاجة الملحة والضرورة الواضحة جاءت فكرة التبسيط وأخذت الشعرى هذا المسار بمحض إرادتها من خلال مبادراتها وأنشطتها المتعددة، كالأيام المفتوحة والمحاضرات غير المتخصصة، بالإضافة إلى المسابقة العلمية " سيرتا علوم"، مشروع "الصورة الفلكية اليومية"، مشروع "المسرح العلمي" ومشروع نادي " الشاطر الفلكي الصغير" .. وكل هذه المشاريع تخدم هدفا واحدا، والذي هو نشر ثقافة تبسيط العلوم.
"أحد أهم أعمدة برنامج الجمعية هو إذاعة "واحة العلوم" والتي قاربت أن تحتفل بعيد ميلادها الثالث والعشرون".
الفريق المؤسس لجمعية الشعرى:
عاش الشعب الجزائري أزمة حقيقة لا يجب إغفالها، أزمة الأمن في سنوات التسعينيات حيث كان من الصعب الشعور بالاستقرار، وربما كانت الغاية الأساسية هي كيف أن يبقى الواحد منا على قيد الحياة دون أن يصاب وليس تأسيس مشروع، لكن في خضم العمل في الشعرى كان الفريق ينسى وجود هذه الفوضى أساسا، ينغمس دون استفاقة، حيث تدفقُ الوسط المحيط وتوافره على كفاءات متمكنة ومتخصصة من دكاترة وأساتذة وطلاب في الدراسات العليا..، هذا يجعل العمل يتواصل دون كلل ويستمر بالرغم من كل الظروف المحيطة.
يقول المتحدث: "وللعمل حينها مذاق خاص لا سيما وأن الوسائل كانت بسيطة والتواصل كان مقتصرا على البريد الإلكتروني وفقط، فننتظر الرسائل بشغف ونلتقي مع الناس، ونتحاور في شتى المواضيع، على قلة عددهم، فيباركون عملنا ويساعدون في نشر الرسالة وجلب أناس آخرين في اللقاءات الموالية".
أصبح للعائلة في قسنطينة ثقافة الخروج لمشاهدة السماء، تتبع نجومها، قياس المسافات بينها و رسم كويكباتها ، هذا في حد ذاته أمر مبشر جدا لتشكل مجتمع العلم، مجتمع المعرفة
"قامت الشعرى بأنشطة لها في ساحة الأمير عبد القادر بقسنطينة، تأتي عشرات العائلات، تشتد الحوارات، تصحح المفاهيم، تلمس شغف الناس في وجوههم، هذا بالضبط ما كنا نأمله؛ إيجاد جو للنقاش في قضايا علمية جوهرية، والاستثمار في الطفل والإيمان بقدراته"
وتجدر الإشارة إلى أن الاحتياجات المالية كانت من نفقة الطلبة أنفسهم، فلم يكن للجمعية مصدر خاص لتمويل النشاطات والمعارض وغيرها، فجازى الله كل من ساهم لأجل الشعرى مؤمنا وقانعا بفكرتها ودافعا بها نحو الأمام.
نُظمت العديد من المبادرات والمسابقات في غير علوم الفلك كعلوم الحاسوب على أنها كانت في بداياتها آنذاك، وفي الرسم، من خلال التوظيف الذكي والإيجابي لمهارات كل منخرط في الجمعية الوليدة، حيث في تلك الفترة كان المهندس في الإعلام الآلي "فؤاد بوجلال" _ وهو من بين الأعضاء المؤسسين وهو حاليا بكندا_، مشرفا على المسابقة وتحصل كل ناجح حينها على ملصقات مرسلة من طرف وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا".
رغم شح الإمكانات وعسر الظروف لكن إيمان الفريق بضرورة النجاح وتصدر المراتب الأولى دفعه للعمل الجاد والدائم، والتضحية بوقته وماله وجهده.
ومن بين أبرز الأعضاء المؤسسين الأساتذة: "جمال ميموني"، " إسماعيل بيوض"، " فؤاد بوجلال"، " مراد حمدوش"، " توفيق صيامي"، " الحبيب عيساوي"، " عادل بوشارب"، "عبد الحكيم قنون"، و" موادسي سهيل" الأستاذ بجامعة ام البواقي، ومن النساء أذكر الأستاذة " فلواط" بجامعة سكيكدة.
نشاطات الشعرى.. حركية منقطعة النظير:
تعتبر المشاريع ركيزة المؤسسات، ولكي يدوم أي تجمع للعمل يجب ربطه بخطط عملية ومهام واضحة، وهذه المشاريع ينخرط فيها الأعضاء، إيمانا من أنّ التلقي المستمر دون إسهام لا يحقق المنال ولا الفائدة المرجوة، لذا تقوم الجمعية بالتنسيق مع المنخرطين الذين هم مبدئيا في استعداد لتقديم الفائدة، وهم فقط بحاجة للمرافقة والتوجيه وتوظيف مهاراتهم على النحو المطلوب، "فنعمل على استقطاب الفاعلين ومباشرة العمل معهم، مما يحفز استمرارية العضوية بالجمعية".
تمحور برنامج الجمعية أول الأمر أساسا حول اللقاءات الأسبوعية التي كانت آنذاك في يوم الخميس حسب عطلة نهاية الأسبوع القديمة، بداية من الساعة الثانية إلى الساعة الخامسة مساء، وتعتبر مقدَّمَة على كل شيء، ويكون اللقاء في دار الشباب بحي السطوح، فتشكلت من هذه الاجتماعات المتكررة مجموعات مهتمة، وتعرفت إلى ميول الناس ومشاربهم وبدأت رسم خارطة للطريق.
من ناحية أخرى يمكن اعتبار برنامج "Astronomy day " أيضا محطة الانطلاق الثانية، وهي مسابقة تُنظم بالتنسيق مع الرابطة الأمريكية لعلوم الفلك "The Astronomical League " خلال نهايات شهر أفريل وبداية شهر ماي أين يكون القمر في تربيعه الأول، وكان أول تعامل معها في سنة 1997م، حيث شاركت الجمعية بتسجيل وأنجزت تقريرا حول يوم كامل مفتوح مرفق برسالة رسمية، ونالت المرتبة الخامسة عالميا، وكانت هذه أبرز المحطات ومن أسعد اللحظات التي اختُصّت بها الشعرى، ولهذا التصنيف أثره ودفعه لأن استحقت الرتبة الأولى في ملتقى غرداية.
في سنة 1997م قامت الجمعية بنشاط كبير تمثل في المشاركة في الملتقى الوطني لعلم الفلك والإعلام الآلي والذي نظم في ولاية غرداية، أين حظيت الشعرى بتشريف خاص في هذا العرس الوطني.
كانت الإمكانات بسيطة، وانتقل الفريق إلى مكان الحدث، وكانت الإقامة في " ضاية بن ضحوة" وتم الاستقبال بحفاوة مميزة من طرف عدد من المشرفين، أمثال " بشير بن عومر" و" ربان بلول" الذي أصبح بعدها مديرا للرياضة والشباب في ولاية مستغانم، ولقد كانت فرصة للقاء جمعيات أخرى من مختلف ربوع الوطن، وقد كان ذلك مع كل من جمعية "البوزجاني" و " البيروني".
عرف الملتقى مسابقة بين النوادي المشاركة، و "قدمنا عرضا لأهم برامجنا وفعالياتنا للجنة المسؤولة، ولنحصل في الأخير على وسم المرتبة الأولى، وكانت فرحة لا توصف فنحن لم نتوقع بتاتا الحصول على هذا الاستحقاق".
تجدر الإشارة إلى أن للجائزة جانب مادي، وقد كان هذا أول دخل تحصل عليه الشعرى منذ أن تم تأسيسها...، وتعتبر هذه انطلاقة متجددة بدفع من ولاية غرداية الطيبة المعطاءة والتي قد أخذت على عاتقها من خلال هذا الملتقى تقدير أمثال هذه الجهود والمبادرات..
- تمّ أيضا إنشاء ناد للأطفال الصغار، يهتم بهم على حدة، وينمي قدراتهم في المجالات العلمية والفلكية بالخصوص، بفريق مستقل، تعددت الأساليب التعليمية المعتمدة من تجارب علمية، مجلات حائطية إلى خرجات ميدانية.
"علينا أن نوفر للطفل بيئة إبداعية، نعاني اليوم من مشكلة الدروس الخصوصية التي تحتاج إلى إعادة النظر، فنجد وقت الطالب ممتلئا عن آخره..، متى يمكن أن يجرب الطفل شيئا مغايرا يلبي فضوله؟ّ! هذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعا.."
تلت هذه الأشواط، مرحلة أخرى طُرح فيها سؤال مفاده ماذا عن العوام، الذين لديهم أفكار خاطئة وتصورات مشوهة حول علوم الفضاء، وانطلاقا من هذه الإشكالية تولدت فكرة البرنامج الإذاعي، فهي طريقة تمكن من التنقل إلى الناس عوض استقدامهم.. إذ لا يمكن للجميع أن يحضر النشاطات الميدانية، فجاءت واحة العلوم في شهر أكتوبر من سنة 1998م، وتعد كأقدم برنامج في الجزائر لتبسيط العلوم.
وإنها لا تهدف فقط لطرح موضوع ما أو استضافة شخصية للحوار، بل أكثر من ذلك فهي تسعى إلى عرض الفكرة على طبق من ذهب تتشربها مختلف مستويات السامعين من ربة بيت، سائق سيارة، إلى طالب في المتوسطة أو الثانوية.. وغالبا ما تكون لديهم ثقافة بسيطة أو متوسطة في أحسن الأحوال، فتهدف الواحة إلى تصحيح الأفكار المغلوطة وإشاعة التفكير السليم، المنطقي والنقدي، وترسيخ كل ذلك بطرق مختلفة.
"لا يزال البرنامج مستمرا إلى يومنا هذا بمعدل حصة خلال الأسبوع وقد خدمها مجموعة من الطلبة والطالبات، وتتضمن أنشطة وعروض مباشرة، ولإذاعة قسنطينة فضل كبير إذ وثقت بالفعالية واحتضنتها وفتحت الباب للشعرى بطاقاتها لتبدع وتقدم أحسن ما لديها".
وصولا إلى هنا، بات من اللازم الالتفات إلى مسألة الرصد الفلكي وضرورة تخصيص فريق يتولى المهمة، وتجهيزه بالوسائل المتخصصة كالتلسكوبات، وكذا تكوينه في التصوير الفلكي خاصة القديم منه الذي يتفرع لعدة مراحل، وغير ذلك من التقنيات، وفي سنة 1998م كانت أول زيارة خارجية لتمثيل الجزائر بالإسكندرية في مصر، وفي السنة الموالية، وبالضبط في 11 أوت 1999م، تمت الخرجة الثانية لملاحظة الكسوف الكلي والذي أحدث ضجة كبيرة وهلعا إعلاميا مبالغا فيه، وكانت نحو الشمال السوري لعمل رصد مباشر، وتمت تغطية الحدث من طرف التلفزة الجزائرية.
أهم إنجازات سنوات الألفية الأولى:
إطلاق أول قمر صناعي من صنع جزائري بفضل أياد وجهود من قسنطينة، وهو ما يسمى بمشروع " Starshine" أو النجم البراق والمتمثل في صقل مرايا قمر صناعي مدرسي ذو قطر يبلغ 50 سم مغطى بـ 800 مرآة، وهذه المرايا يتم صقلها من طرف أطفال المدارس، بعد أن ترسل لهم المواد والأجهزة اللازمة للتصميم وقياس مقدار الانعكاسية، فنظمت ورشات عديدة " Starshine 2" و " Starshine 3" ، ومن مجموع 800 مرآة شاركت الجزائر بـ 30 مرآة وُضعت على القمر ليتم إطلاقه إلى الفضاء في الرحلة 108 من المكوك الفضائي الأمريكي " Discovery"، وكان إنجازا عظيما وخطوة مثيرة نحو الفضاء، وقد وصلت الجمعية صور الإطلاق وتم تدوين كل من اسم الجمعية وأسماء الأطفال المشاركين في عمليات الصقل.
تنظيم ملتقى وطني يجمع أسرة الفلك الجزائرية متخصصين وهواة، فكان المهرجان الوطني لعلوم الفلك والفضاء، في طبعته الأولى عام 2001م ولا يزال مستمرا بشكل سنوي وحاليا في موسمه التاسع عشر، وهو فرصة للولوج إلى أعماق الجزائر في شقها العلمي واكتشاف العديد من الكنوز شمالا، شرقا، غربا وجنوبا، و تنسيق لقاءات مع شخصيات علمية من الخارج بغية الاستزادة والتبادل، ومن بينها رائد الفضاء الماليزي "مظفر شكور"، وعالم الفلك الفلسطيني " سليمان محمد بركة"، ورائد الفضاء السويسري والذي أصلح التلسكوب الفضائي " هابل " الشهير لست مرات، المدير العلمي السابق لوكالة ناسا، الأمين العام ورئيس الاتحاد الدولي للفلك، وقد تركوا انطباعا ممتازا، سواء الإخوة العرب من الأردن، مصر، تونس، المغرب، سوريا، العراق والسعودية أو من دول أجنبية، ليلعب هذا الصالون دورا كبيرا في توليد مسارات مشاريع جديدة.
في عام 2003 شاركت الشعرى في حدث بارز وهو " World Space Week " أو الأسبوع العالمي للفضاء والذي من خلاله تحصلت "الشعرى" على المرتبة الأولى عالميا وقدمت لها الجائزة في واشنطن دي سي أو العاصمة بحضور سفير الجزائر.
ترتيب تكوينات عملية للفريق الخاص بالجمعية للإشراف على المخيمات والرحلات العلمية المتخصصة، وكانت أول رحلة في سنة 2004م حيث كانت الوجهة إلى غرداية، وعرفت هذه الرحلة حضور العنصر النسوي أيضا ولأول مرة. كما تحرص الجمعية في كل الرحلات التي تقام أن يكون فيها البرنامج مميزا موجها ومتنوعا، بين جوانب متعددة التسلية، الأخلاق، الثقافة، التكوين العلمي والجلسات الرصدية وغيرها من الأعمال.
في سنة 2005م والتي تصادفت والسنة الدولية للفيزياء بمناسبة مرور 100 سنة على صوغ أينشتاين للنسبية الخاصة، شاركت الجمعية على صعيد عالمي ونالت مجددا المرتبة الأولى لمسابقة تُعنى بأحسن لافتة لشرح الفيزياء.
"مع توالي هذه الاستحقاقات ازداد فخرنا كفريق للشعرى، وبالموازاة استشعرنا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا ووجوب الاستمرار في الإسهام الهادف".
في الثالث من أكتوبر 2005م، حضرت الشعرى كسوفا حلقيا بولاية باتنة مع استضافة كل المشاركين في الطبعات السابقة للمهرجان الوطني لعلوم الفلك، وتحقق ذلك بعد تحضيرات دامت لمدة ستة أشهر لاختيار المكان المناسب للرصد وغيرها من المهام، وتم إنجاز أول خارطة استثنائية مضبوطة بدقة لمسار الكسوف وبتمويل من مركز علم الفلك والجيوفيزياء " CRAAG" لتُطبع من طرف المعهد الوطني للخرائط والكشف عن بعد، وتم عرض نشاط الرصد على المباشر في القناة الجزائرية لمدة أربع ساعات، وتناقلت الصور إلى كل العالم عن طريق وكالات أخبار دولية كالجزيرة وغيرها، فاعتُبر حدثا مهما وملهما، وفي 29 مارس 2006 م حضرت الشعرى مجددا كسوف جالو في الحدود الليبية التونسية وبالتنسيق مع السفارة الجزائرية في ليبيا، وكانت إحدى الرحلات الأكثر تميزا، وشارك معنا 45 فردا من مختلف المستويات.
في 2008 توجهت بوصلة الاهتمام نحو طلاب الثانوية لتنبثق إلى الوجود فكرة مسابقة " سيرتا علوم" واشتغل عليها الفريق لمدة سنة كاملة، لتكون النسخة الأولى، وكانت جائزتها مغرية جدا وهي زيارة وكالة الفضاء الأوروبية "ESA " في كل من هولندا وألمانيا أين يتدرب رواد الفضاء، وبالرغم من التحديات الكثيرة مر الحفل بمنافساته في جو بهيج وكرم الناجحون.
تميزت سنة 2009م بأنها السنة الدولية لعلم الفلك وأقيمت نشاطات كبيرة وطنيا، وقدمت الشعرى لافتة إشهارية وزعت على كل المدارس في التراب الوطني من خلال وزارة التربية والتعليم، وشاركت أيضا في مسابقة دولية وتحصلت على وسم أحسن جمعية قامت بإحياء السنة الفلكية في جنوب البرازيل.
"وهكذا في كل مرة _ولله المنة_ تشرف الشعرى الجزائر في المحافل الدولية".
وفي نفس السنة أيضا احتضنت الجمعية الملتقى العربي لعلوم الفضاء والفلك في طبعته الرابعة في قسنطينة، وعرف حضور 120 مشاركا من مختلف المؤسسات كمركز الجيوفيزياء ووكالة الفضاء الجزائرية، ومن مختلف الدول المغرب، تونس، ليبيا، مصر العراق والسعودية، قطر، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان.
وإضافة إلى كل ما ذكر، تعتبر سنة 2009 أيضا سنة ميلاد مشروع الصورة الفلكية اليومية APODAR " Astronomical picture of the day Arabic " وبالضبط في الفاتح من نوفمبر، وبالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، والمشروع عبارة عن صورة تحوي ظاهرة بديعة تختارها ناسا وتضعها بموقع لها APOD مع وصف مرفق لشرح الظاهرة لترسيخ وتبسيط المفاهيم الفلكية، وكان للبروفيسور جمال ميموني علاقة زمالة مع صاحب المشروع تشكلت أثناء دراسته ببنسلفانيا ليقترح عليه فكرة ترجمة الموقع إلى اللغة العربية وتحصل على الموافقة للبدء في هذا الصدد، ويعتبر الآن أكبر موسوعة فلكية باللغة العربية على الأنترنت بحوالي 6 آلاف صفحة في شتى مواضيع علوم الفضاء والفلك، ويقوم بمهمة الترجمة والتصحيح والتدقيق ثلة من شباب الشعرى وبتأطير من البروفيسور ميموني.
"ولجنا إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي مع زخم التطور الحاصل، أنشأنا مجموعة على الفايسبوك وكانت ذائعة الصيت وذات محتوى منظم. ولنا أيضا موقع إلكتروني يضم نشاطاتنا وإسهاماتنا
وفي العشرية الموالية استمرت أيضا الشعرى وأنجزت الكثير، وكانت كل مرة تمد فريقها بنفس جديدة وكفاءات متجددة".
فريق الشعرى.. انضباط وكفاءة:
شارك في بناء الشعرى العديد من الإخوة الأكارم والأخوات الفضليات، وبالرغم من أن ظروف الحياة جعلت العديد يغير المسار، ويكون في زاوية ما، فمنهم من هو خارج الجزائر، ومنهم من هو بالداخل، إلا أن ثلة منهم واصلوا المسيرة منهم الأستاذ الفاضل " إسماعيل بيوض" وقد كان حينها الرئيس الثاني لجمعية الشعرى، بينما الأول فهو " عادل بوشارب" أستاذ الفيزياء بجامعة باجي مختار بولاية عنابة، وبحكم أن أغلب الأعضاء كانوا في طور الدراسات العليا فالكثير منهم انتقل إلى الخارج كأمريكا ودول أروبا، وكان التنسيق صعبأ جدا، إلا أن الاحتفاظ بتواصل مستمر كان دوما موجودا، وتعاقب على الجمعية أساتذة وطلبة آخرون في كل فترة.. وكان الأساس الذي تقوم عليه الشعرى هو أن لا تنحصر في عضو واحد أو عضوين بل تتعداهما إلى مجموعة متكاملة تتبادل وتتشارك في بنائها لبنة لبنة.
"نؤمن أن لفريق العمل دور حاسم، وكنا نسعى دوما لتطعيمه، تكوينه وتوجيهه...
والشعرى جاءت لتلاقِح بين الأفكار وتجمع بين الجهود وتوحد بين الرؤى..
ومن النواة الرئيسية تفرعت وازدانت وأينعت أوراقها.. وسلكت دروب العمل الثقافي دونما كلل أو توقف".
وللشعرى فريق عمل متخصص وفي الأغلب هم شباب مثقف وطلبة جامعيون، تحرص الجمعية على الأخذ بأيديهم ومرافقتهم، كما تعمل على استقطاب الكفاءات وتنظيم لقاءات دورية، هذا الاحتكاك المتواصل معهم يجعل الأعضاء يتشبعون بثقافة متميزة، ومع العمل المستمر تتطور قدراتهم وتتضح جليا دقتهم العلمية وينمو رصيدهم المعرفي، ولا يمكن إغفال الدور المركزي للبروفيسور جمال ميموني الذي لم يتوانَ ولو للحظة في تقديم يد العون وتوجيه العاملين بالجمعية وتكوينهم تكوينا متقدما، ولقد ضحى بكل ما يملك من وقت وجهد ومال لأجل أن تستمر شعلة الشعرى ويزداد بريقها.
"حرصنا في الجمعية بصفة دائمة على استقطاب الطبقة المثقفة والفاعلة علميا وميدانيا، وكان لهذا تأثير فعلي على الفريق، كنا مثلا ننسق مع البروفيسور "نضال قسوم"، " موار ثابت"، وكنا ننظم لقاءات افتراضية عبر السكايب مع الدكتور " فاروق الباز"، وأخرى مع أعضاء الجمعية الفلكية الفرنسية".
مجلة الشعرى... وليد حديث:
يُعد برنامج واحة العلوم في حد ذاته إسهاما نوعيا، وهو مادة علمية ضخمة موجودة صوتيا لكن لم يتم تنزيلها كتابيا، ويمكن من خلالها إنتاج وتنسيق مواد سمعية كالبودكاست مثلا، وفيما مضى كانت للجمعية مبادرة محتشمة لمجلة معنونة بـ " صوت الشعرى" ولم تدم طويلا.
في سنة 2020 ومع الجائحة العالمية كورونا عمل الفريق على إنتاج مجلة إلكترونية تحوي شتى المواضيع بتصميم مبدع ومقالات علمية رصينة ومحكمة، وهي في عددها الثالث حاليا.
أتعلم ما هو الشعرى؟ إنه ألمع نجم في السماء، وبه سميت مجلة الشعرى العلمية. هي مجلة علمية إلكترونية دورية مجانية، تصدر كل ثلاثة أشهر باللغة العربية. تختص في علوم الفلك والفضاء والعلوم المتعلقة بهما بشكل خاص، إضافة إلى تغطية مواضيع علمية مختلفة بشكل عام.
تشرف عليها جمعية الشعرى لعلم الفلك ومقرها قسنطينة بالجزائر، مع فتح المشاركة والمساهمة لمختلف المؤسسات والجمعيات والباحثين عربيا ودوليا، تهدف المجلة إلى تبسيط علم الفلك للجمهور العام بكل شرائحه، صغارا وكبارا، وتسعى لنشر الثقافة العلمية بين أوساط المجتمع.
عثرات وتحديات.. في وجه الشعرى:
في طريق الشعرى وكأي تجمع بشري لا يخلو الأمر من عراقيل مقيدة، ومن أهمها:
عدم وجود مقر خاص مستقل بالجمعية رغم مضي أعوام كثيرة منذ بدء نشاطها، لذا فالفريق يطمح إلى أن تكون الشعرى مؤسسة بكامل أركانها.
الحفاظ على فريق العمل لصعوبة المسؤوليات والضغوط الناجمة عن ذلك، ولكون العمل تطوعي، لكن من جانب آخر توجد ميزة تجمع كل من مر بالجمعية، ذلك أنها تحافظ على التواصل وتدع دوما حلقة وصل، ولقد قامت بالاستعانة بالكثير من الأعضاء القدامى في بعض الرحلات لتقديم تسهيلات ومساعدات، مثل الرحلة المقامة إلى اليابان في 2013م، سويسرا في 2005م، ورحلة أمريكا لرصد ظاهرة الكسوف في إحدى المواسم.
في بداية جائحة الكوفيد 19، ومع الشلل التام للأنشطة، استأنفت الشعرى نشاطها عبر الفضاء الإلكتروني Zoom دون توقف، بل وكانت تزيد الوتيرة في بعض الأحيان، ومن حسنات هذا النمط المستجد حضور المهتمين من مختلف الدول العربية وممن هو مقيم في الخارج، وكانت فرصة لملاقاة أصدقاء وأحبة الجمعية والأعضاء القدامى
جوائز واستحقاقات حصدتها الجمعية:
على المستوى الوطني تحصلت الشعرى على ثلاث جوائز تحت وسم أفضل جمعية، أما على المستوى الدولي فأبرز الجوائز تنحصر في ما يلي:
أمريكا عام 1997م.
أمريكا، عام 2003م، في أسبوع علوم الفلك والفضاء.
أمريكا، عام 2005م، في السنة الدولية للفيزياء.
أمريكا، عام 2009م، في السنة الدولية للفلك.
"العمل في الشعرى مستمر طيلة أيام الأسبوع، نحن في انهماك ولا يوجد وقت للفراغ بتاتا، وبالرغم من أنه لازال في انتظارنا العمل الكثير، إلا أننا نفخر بما حققناه كفريق يسعى دوما للاحترافية وتقديم الأجود"
Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast