العالم في مِحرابه

الاسم: أحمد

اللّقب: موساوي

تاريخ ومكان الميلاد: 31 أوت 1939م ببومرداس.

همي بناء خطاب فكري وفلسفي وصياغته على نحو من الوضوح والصرامة والدّقة، ليكون بمنأى عن الفوضى الفكري المؤدية إلى السفسطة والمغالطة.

النشأة والدراسة:

ولد البروفيسور "أحمد موساوي" أو "السعيد" -كما يحب أقرباؤه ومحبوه مناداته- يوم الخميس 31 أوت سنة 1939 بمدينة أولاد موسى ولاية بومرداس؛ في الضّاحيّة الشّرقيّة لمدينة الجزائر العاصمة.

وتشير المصادر التاريخية أن عائلة موساوي التي يقطن أفرادها سهول متيجة الشرقية هي أول عائلة سكنت حوش أولاد موسى بقبيلة الخشنة بداية من سنة 1740م.

ولد "أحمد" يتيما، فقد توفي والده 51 يومًا قبل ولادته وذلك يوم 10 جويلية 1939، فكفله جدّه لأمّه وقام برعايته وتربيته جنبا إلى جنب مع أخواله، واتخذت والدته قرارها بعدم الزواج مرة أخرى لتتفرغ بدورها لتربيته ورعايته، فنشأ في حضن عائلة ملؤها المحبة والعطف والحنان، ولم يشعر "أحمد" يوما بحرمان أو يُتْم، وكان ينادي جدّه بــ "أبي" مقلّدا أخواله.

وبما أن الوالد كان اسمه "أحمد"، قرر جد الطفل من جهة الأب تسمية المولود باسم ابنه المتوفى، أما جدّه من الأم ففضل مناداته "بالسعيد" ليكون سعيدا في الدنيا والآخرة، وبذلك صار يعرف بأحمد في الأوساط الرسمية والمدنية؛ ويعرف باسم السعيد أو الحاج السعيد أو عمي السعيد في الوسط العائلي والمجتمع المحلي.

وفي سنّ مبكّرة وقبل دخول أحمد للمدرسة النظامية تعلم القراءة والكتابة وحفظ أولى آي القرآن الكريم في حضن عائلته، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عائلة البروفيسور أحمد أولت اهتماما كبيرا في تحفيظ أبنائها القرآن الكريم عن ظهر قلب، فقد كان عمه "محمد معمّر" مدرّسا في المدرسة القرآنية المحلية، وكان أولَ إمام لمسجد أولاد موسى الذي تم افتتاحه بعد الاستقلال في أوت عام 1962. وفي هذا الجو العائلي القرآني والعلمي نشأ وترعرع الطفل أحمد.

دخل أحمد المدرسة الابتدائية الفرنسية فتميّز فيها بنبوغه المبكّر وقدراته العقلية العالية؛ وبحبه للمعرفة وشغفه للتحصيل العلمي، لقد كان متفوقا في الدراسة على أبناء الفرنسيين بمن فيهم الابن الوحيد لمعلمه ومعلمته. وكان ذلك التفوّق الدّراسي بالنسبة إليه دافعا أساسيا في زيادة حبّه لتلقي العلم والمعرفة ومطالعة الكتب من ناحية، ومن ناحية أخرى كان عاملا فعالا في تقوية وعيه بحب الوطن؛ حيث أدرك مبكّرا أن الفرنسيين الذين قاموا باحتلال الوطن لم يحققوا ذلك لولا تفوقهم العلمي والتكنولوجي.

وبعد ساعات الدراسة اليومية التي يقضيها "أحمد" في المدرسة الفرنسية؛ كان يذهب بعدها إلى المدرسة القرآنية ليحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب. فحفظه على عدة شيوخ منهم عمه سي محمد معمر والشيخ محمد الربعي والشيخ المحفوظ بوزقزي.

ورغم كون "أحمد" أفضل طالب في فصله، إلا أنه لم يتمكن من الاستفادة من منحة دراسية في المرحلتين المتوسطة والثانوية، والتي خصّصتها السّلطات الفرنسية آنذاك للمتفوّقين، وهذا يعود للسياسة الاستعمارية العنصرية المطبقة على الجزائريين، ولم تكن موارد العائلة كافية لتغطية تكاليف الدراسة، مما اضطره إلى قطع مسيرته الدراسية.

لكن رغبته الشديدة في المعرفة وفي النجاح المتصف بهما منذ المرحلة الابتدائية، والقاعدة الصّلبة التي اكتسبها في المواد العلمية والأدبية شكّلت عاملا مشجعا لمواصلة مساره التعليمي عن بعد وذلك بالاتفاق مع بعض المؤسسات التعليمية الخاصة.

وقد لاقت هذه التجربة نجاحاً كبيراً ومكّنته من الحصول على مختلف الشهادات المدرسية للحلقة الأولى والثانية (الشهادة الابتدائية، شهادة الكفاءة العليا الجزء الأول والثاني، شهادة البكالوريا الجزء الأول والثاني).

 لم يتخلف أحمد عن أداء واجبه الوطني والإسهام في بناء جزائر ما بعد الاستعمار؛ فبعد وقف إطلاق النار وبالتحديد في أبريل 1962، استفاد من تدريب قصير المدى والذي نظمته جبهة التحرير الوطني؛ كجزء من التحضير لاستفتاء تقرير المصير المنصوص عليه في اتفاقيات إيفيان والتي أشرفت عليه الحكومة المؤقتة آنذاك. حيث تم إنشاء لجان انتخابية بلدية مختلطة. فكان من الضروري تدريب أعضاء اللجان الجزائرية على مختلف مراحل التحضير للتصويت (مراجعة القوائم الانتخابية، صياغة بطاقات الناخبين، تنظيم مراكز الاقتراع، فرز الأصوات، صياغة محاضر الفرز إلى غاية إعلان نتائج الانتخابات).

وبعد أن أدّى مهمّته على أكمل وجه وبكفاءة عالية، تم استدعاؤه للمشاركة في استلام إدارة بلدية أولاد موسى من الموظفين الفرنسيين، وعيّن كاتبا مكلفا بملف المجاهدين والشهداء وذوي الحقوق. كما قام خلالها بإنجاز القوائم الخاصة بكل فئة بالتشاور مع أعضاء اللجنة البلدية. وبعد أن أنجز هذه المهمة بأمانة وشرف استقال من البلدية ليلتحق بسلك التعليم.

 

الالتحاق بسلك التعليم

عين الأستاذ أحمد موساوي سنة 1964م معلما بمدرسة البنات بأولاد موسى، ثم اشتغل بعدها مديرا للمدرسة الابتدائية بمفتاح- مدرسة الوسط للبنين سنة 1971م، وفي سنة 1977م عيّن أستاذا لمادّة الفلسفة بثانوية عمر راسم بالجزائر العاصمة إلى غاية سبتمبر 1981م.

دراسته الجامعية:

التحق البروفيسور أحمد موساوي بجامعة الجزائر بهدف التحضير لشهادة الليسانس في الفلسفة. ومن خلال دراسة المواد الفلسفية اكتشف القيمة العلمية للمنطق، وبالرغم من طابعه التجريدي، إلا أنه انجذب إلى دقة لغته وصرامة قواعده، فقرر التخصص في المنطق مستقبلاً.

إن للمنطق دورا أساسيا في وضع حد للجدل العقيم الذي لا يؤدي الى نتيجة

وبعد حصوله على الليسانس في الفلسفة سنة 1976م، تم تعيينه مدرسا لمادة الفلسفة بمدرسة عمر الراسم الثانوية بالجزائر العاصمة. ولقرب مكان عمله من جامعة الجزائر، استغلّ الفرصة ليلتحق بالدراسات العليا بهدف التحضير لشهادة الدراسات المعمقة DEA تحت إشراف د.عمار طالبي، وكان موضوع بحثه "الاتجاه الوضعي المنطقي في الفلسفة العربية المعاصرة"، وتمت مناقشة بحثه سنة 1980م، وحصل على تقدير جيد جدا مع تهنئة أعضاء اللجنة وتوصية بانتدابه لجامعة الجزائر والتي وافقت على ذلك، فالتحق بقسم الفلسفة كمدرس منتدب لمقياس المنطق.

في الوقت نفسه قام الأستاذ أحمد ببعض الأنشطة التعليمية والعلمية أبرزها المشاركة في التليفزيون المدرسي، وذلك من خلال تقديمه لدروس فلسفية متلفزة مخصصة للطلاب في فصول السنة النهائية، والمشاركة في برامج القناة الإذاعية الثالثة الناطقة باللغة الفرنسية حول العلاقة بين الفكر واللغة والواقع.

التحق البروفيسور أحمد بنفس الجامعة ليستكمل دراساته العليا وهذه المرّة للحصول على شهادة الدكتوراه الحلقة الثالثة في المنطق. ونظرا لعدم وجود من يشرف على بحثه في تخصص المنطق بجامعة الجزائر آنذاك، سجّل نفسه في جامعة باريس 1 بانتيون السوربون للدراسة عن بعد، لكن هذا الأمر يتطلّب منه الوجود في باريس من ثلاثة إلى أربعة أيام -على الأقل- كل شهر، ليعرض ما تم إنجازه في العمل البحثي، وتلقي النصائح من الأساتذة، وحضور بعض التكوينات اللازمة في مجال المنطق، وكذلك زيارة الجامعات ومراكز البحوث والمكتبات.

كان من الصعب جدًا على الطالب غير المبتعث تغطية النفقات اللازمة للإقامة الشهرية القصيرة في باريس بالإضافة إلى رسوم التسجيل، ومن أجل تذليل هذه الصعوبة استخدم التحويل الشهري المعتمد وهو 500 دينار جزائري للطلاب غير المبتعثين المسجلين في إحدى الجامعات بالخارج، وكان من الضروري تقليل تكاليف النقل الجوي والإقامة قدر الإمكان، فاهتدى إلى الطريقة التالية: شراء تذكرة طائرة ذهابًا وإيابًا من الجزائر إلى مرسيليا، وتذكرة قطار في الجزائر العاصمة للسفر من مرسيليا إلى باريس ذهابًا وإيابًا، وركوب القطار المسائي لرحلة الذهاب والإياب لتوفير ليلتين وتناول بعض الوجبات الممكنة، وتمكن في الأخير من مناقشة أطروحته في الدكتوراه الحلقة الثالثة والموسومة بـ: "مكانة المنطق في الفلسفة التحليلية المعاصرة" بإشراف لجنة أكاديمية مكوّنة من أساتذة الرعيل الأول في الفلسفة وهم: د. الشيخ أبوعمران بصفته مشرفا عليه، واللجنة المناقشة المكونة من: د.عبد الله  شريط ود. عمار طالبي ود. عبد الرزق قسوم، ود. كريبع النبهاني وكان ذلك سنة 1983م.

على الباحث أن يتمتع بمنهجية محكمة؛ ودقة ووضوح وبساطة في عرض بحوثه، مع الالتزام بالعمق في تحليل الإشكاليات ومعالجتها النقدية.

التدريس بالجامعة:

 بعد مناقشته للدكتوراه عين أستاذا مساعدا بجامعة الجزائر. ومن أجل سد النقص في الإشراف على تخصص المنطق؛ اقترح قسم الفلسفة بجامعة الجزائر على اللجنة الوطنية للتكوين في الخارج انتداب الأستاذ المساعد أحمد موساوي إلى جامعة باريس 1 بانتيون السوربون، لاكتساب المزيد من الخبرة في المجال؛ فأصدرت اللجنة قرار الموافقة على ذلك ومنحته إنتذاب طويلة الأمد للدراسة في الخارج.

ومن أجل إنجاز هذه المهمة النبيلة في البحث العلمي، استأجر مسكنًا في رقم 100 شارع كاردينت في باريس /الدائرة 17، وأحضر زوجته وطفليه الصغيرين للتفرّغ للبحث العلمي وإتمام ما كُلّف به، فقد كان يعمل قرابة 16 ساعة يوميًا، ويقسم وقته بين مكتبات الجامعة ومراكز البحث، وكان يحْضر بانتظام الندوة الباريسية الأسبوعية للمنطق والرياضيات واللسانيات؛ وأيضا الندوات التي تنظمها الكلية الدولية للفلسفة؛ وحضر ندوات ENS.

وكان في اتصال دائم مع المشرف على أطروحته لعرض التقدم المحرز في البحث وشرح الصعوبات التي تواجهه؛ فحضر محاضرات المنطق لطلبة الدراسات العليا والتي كان يلقيها البروفيسور "جاك بوفيريس"، وندوات عالم المنطق البارز "جيرولد ستال".

وبعد أربع سنوات من الجهود البحثية، ناقش أطروحة دكتوراه دولة حول موضوع: "إشكالية أسس المنطق عند المفكرين المسلمين في العصور الوسطى، المنطق عند ابن سينا"؛ تحت إشراف البروفيسور الفخري "بيير تيي".

وبذلك يكون البروفيسور أحمد موساوي أول باحث جزائري حصل على درجة دكتوراه دولة في تخصص المنطق من جامعة باريس 1 بانتيون السوربون (Paris-1 Panthéon Sorbonne) سنة 1988م.

عاد بعدها البروفيسور موساوي إلى جامعة الجزائر وعُين عضوا في هيئة التدريس وترقى بعد ذلك إلى رتبة أستاذ التعليم العالي. حيث قام بتدريس علم المنطق في المراحل الدراسية المختلفة بجامعة الجزائر، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه. وقام بتشكيل وقيادة فرق بحثية جامعية في مجال المنطق.

وتمتد المسيرة التدريسية للأستاذ الدكتور أحمد موساوي في التعليم العالي والبحث العلمي من 01-09- 1981 إلى غاية 30-11- 2019، أي ما يقارب 38 سنة من التدريس بالإضافة إلى 17 سنة خارج التعليم العالي فيصير المجموع 55 سنة تدريس.

اخترت بتبصّر ودراية مجال التربية والتعليم، لأنّها تنوير للعقول وتحرير للأبدان

زواجه وحياته الأسرية:

البروفيسور أحمد موساوي متزوج بالحاجّة فريدة بن شيحة ولهما سبعة أولاد بنتان وخمسة ذكور. يقول البروفيسور: أن "الحاجّة" سهرت على تربية الأبناء وعلى دراستهم أكثر مني لأنني كنت دائما مشغولا بمسؤوليات المهنة وبالبحث العلمي، فإليها يرجع الفضل في تربيتهم تربية حسنة وفي نجاحهم في مراحل الدراسة كلها فكانت لهم أما ومربية ومعلمة؛ والدليل على ذلك أنهم كلهم تلقوا تعليما عاليا في الجامعات أو في المدارس العليا. فمنهم من تخرج من كلية الطب، ومنهم خريج المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات ومنهم خريج قسم الإعلام الآلي، ومنهم أستاذ التعليم العالي في علوم البيئة، ومنهم خريج معهد أصول الدين، ومنهم خريج المدرسة الوطنية العليا للقضاء.

المناصب والمسؤوليات داخل الوطن:

كان البروفيسور أحمد موساوي أستاذاً مشاركاً في علم المنطق في مؤسسات وكليات التعليم العالي المختلفة وهي:

- كلية العلوم الاجتماعية، وكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.

- المدرسة الإعدادية للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الدفاع الوطني برويبة.

- المدرسة الوطنية للإدارة؛ حيث كان عضوا في لجنة تحكيم الاختبارات التحريرية والشفوية لامتحان القبول.

كما تولى البروفيسور العديد من المسؤوليات العلمية والبحثية منها:

- رئيس المجلس العلمي لقسم الفلسفة بجامعة الجزائر لعدة سنوات.

عضو اللجنة الوطنية لتقييم البحوث العلمية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي (فرع الفلسفة والتاريخ).

- رئيس اللجنة الوطنية لتقييم البحوث العلمية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي (فرع الفلسفة والعلوم اﻹسلامية) لسنوات عديدة.

- رئيس اللجنة البيداغوجية الوطنية للفلسفة لسنوات عديدة.  

- عضو اللجنة الوطنية الجامعية لترقية الأساتذة المحاضرين وأساتذة التعليم العالي فرع الفلسفة والعلوم الاسلامية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي لدورات عديدة.  

-رئيس اللجنة الوطنية الجامعية الفرعية لترقية الأساتذة المحاضرين وأساتذة التعليم العالي للفلسفة والعلوم اﻹسلامية لدورة جوان 1998.

- عضو لجنة مسابقة الدخول ﺇلى المدرسة الوطنية للإدارة ENA.

- عضو لجنة التكوين الخاصة بشهادة التبريز في الفلسفة التابعة للمدرسة العليا لأساتذة العلوم الاجتماعية.

-أستاذ مشارك بمعهد أصول الدين بالجزائر لتدريس المنطق ومناهج البحث لطلبة ما بعد التدرج.                                          

- مستشار علمي للجنة برمجة وتقييم الأبحاث بالجامعة.

- عضو لجنة الجامعة الوطنية للترقية إلى رتبة مدرس وأستاذ التعليم العالي ثم رئيسا لها، في تخصصي الفلسفة والعلوم الإسلامية.

المسؤوليات والمهام العلمية خارج الوطن:

- أستاذ علم المنطق "بجامعة العين" الإمارات العربية المتحدة.

- رئيس قسم الفلسفة "بجامعة العين" الإمارات العربية المتحدة.

- تطوير برنامج قسم الفلسفة بذات الجامعة وتصميم الوحدات الفلسفية لتلبية احتياجات أقسام التخصصات الأخرى، ثم تأسيس قسم كامل الصلاحيات العلمية والبيداغوجية يمنح شهادة الباكالوريوس وشهادة الماستر في الفلسفة.

- كان عضوا في العديد من اللجان البيداغوجية والعلمية على مستوى قسم الفلسفة وعلى مستوى كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية وعلى مستوى جامعة العين ككل.

-أنشأ عددا من اللجان العلمية والبيداغوجية بقسم الفلسفة بجامعة العين بالإمارات العربية المتحدة.

 

يتميّز البروفيسور موساوي على التكوين المؤسس والمتين للطلبة، وتوجيهاته السديدة والقيّمة لهم. "د. نعيمة ولد يوسف – طالبته في الماجستير والدكتوراه"

الإنجازات والاكتشافات العلمية:

قام البروفيسور أحمد موساوي بإنجازات واكتشافات علميّة مميّزة، ووضع نظريات قيّمة في أبحاثه العلمية في علم المنطق، وهي:

- نظرية العلاقة الثلاثية في المنطق: والتي توضح العلاقة بين تقدم المنطق وتأثيره على العلوم الأخرى، وتطور اللغة.

- نظرية مستويات التجريد التي توضح تطور المفاهيم الصورية.

- طوّر طريقة تجعل من الممكن التمييز بين التحليل الحقيقي والتحليل الزائف (pseudo-analyses).

- أثبت أن المنطق أصبح علم الاستدلال الصوري لأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني بين المفكرين المسلمين في العصور الوسطى وخاصة ابن سينا، لأن المنطق كان أداة الفلسفة الوحيدة بين اليونانيين.

- بيّن أن البناء النحوي اللسان العربي أقرب إلى البناء المنطقي مقارنة بالألسنة الأخرى.

 

اكتسب القدرة على التحليل المنطقي الصحيح للغة واحذر من شبه التحليل أو التحليل الزائف.

 

إسهاماته العلمية والأكاديمية

سلك البروفيسور أحمد موساوي مسلكا فريدا حين اقتحم ميدان بحث وحقلا معرفيا قلَّ سالكوه حينذاك لأنه يتطلب -ناهيك عن التكوين المحكم- إرادةَ معرفةٍ لا تلين، وليس هذا الميدان سوى ميدانِ الفلسفة والمنطق على وجه التحديد؛ ذلك لأنه لا شيء، في نظر الأستاذ أحسنُ من المنطق في بناء العقول الواعية المستنيرة، وتهيئةِ مسالك التفكير السليم، ولذلك فقد كان همَّه بناءُ خطاب فكري وفلسفي وصياغتُه على نحو من الوضوح والصرامة والدقة، بحيث يكون هذا الخطاب بمنأى من كل أشكال الغموض اللغوي الذي هو المصدر الأساسي للسفسطة والمغالطة والمجادلات اللفظية العقيمة والفوضى الفكرية.

ولعلّ أبرز الإسهامات المعرفية للبروفيسور التي تركت بصمة قوية في مجال الفلسفة عموما والمنطق خصوصا بالجزائر يمكن حصرها فيما يلي:

  1.  تكوين الطلبة في المراحل المختلفة من التدرج إلى ما بعد التدرج والدكتوراه، داخل الوطن وخارجه أيضا، وذلك حين كان أستاذ المنطق بجامعة الإمارات العربية المتحدة ورئيس قسم الفلسفة بها. ولا يختلف اثنان على ما امتازت به دروس الأستاذ أحمد موساوي من جهة المنهجيةِ المحكمة، ومن حيث الدقةُ والوضوحُ والبساطةُ في العرض، وكذلك من حيث العمقُ في تحليل الإشكاليات ومعالجتها النقدية. ولا شك في أن هذا الجانب البيداغوجي المتميز للأستاذ هو عصارة سنوات خبرة متقدمة في ميدان التعليم في مختلف أطواره.
  2.  ميدان تأطير الطلبة والإشراف على أعمالهم وأطروحاتهم الجامعية، وما تميز به البروفيسور من حرص على التكوين المؤسِّس والمتين للطلبة، وتوجيهاته السديدة والقيمة لهم. وما يتميز به الأستاذ موساوي هي قدرته الفائقة على التمييز بين المواضيع العلمية المحورية، التي شأنُها أن توفر للطالب تكوينا قاعديا صلبا، وبين المواضيع الهامشية الثانوية التي لا يجني منها الباحث والطالب التكوينَ المطلوب.
  3.  إثراء علم المنطق، حيث ألف الأستاذ في هذا السبيل مجموعة من الكتب القيمة والنوعية، في ميدان المنطق والميادين المتصلة به. وهذه نبذة موجزة عن مجمل أعماله، التي تم تصنيفه إلى ثلاثة أصناف:

سلسلة الأطروحات الجامعية:

  1. الاتجاه الوضعي المنطقي في الفكر الفلسفي العربي الإسلامي المعاصر، أو التبعية الفلسفية. وهو بحث جامعي نوقش سنة 1979، لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة.
  2. مكانة المنطق في الفلسفة التحليلية المعاصرة. وهو عمل جامعي نوقش سنة 1983 لنيل شهادة دكتوراه الحلقة الثالثة 3 ème cycle.
  3. Le problème des fondements de la logique chez les penseurs musulmans médiévaux (La logique d’Avicenne).

وهو أطروحة لنيل شهادة دكتوراه الدولة، نوقشت بجامعة السوربون Paris 1 سنة 1988، بإشراف من الأستاذ بيار تيي Pierre Thillet.

 

  • سلسلة الكتب ذات الطابع البيداغوجي والمنهجي: وهي بمثابة أدوات عمل لا يستغني عنها الطالب والباحث في تخصص المنطق وفلسفة العلوم، وهي:
  1. مدخل جديد إلى المنطق المعاصر (في جزئين): يميز البروفيسور من خلالهما بين المنطق التقليدي والمنطق المعاصر الرياضي الذي تطور من الاستدلال إلى أنواع الحسابات المنطقية المختلفة، كما يركز من خلالهما على تقديم بعض تطبيقات المنطق المعاصر في الميدان الفلسفي.
  2. معجم المناطقة: وهو معجم خاص بالتعريف بعلماء المنطق وجهودهم وإسهاماتهم الأصيلة في هذا الميدان.
  3. المعجم المنطقي الموسوعي (في ثلاثة أجزاء- من الألف إلى الياء): وهو معجم متخصص يعنى بتعريف الحدود التقنية المعبرة عن المفاهيم والمصطلحات المنطقية وضبطها، بالنظر إلى التطورات التي عرفتها هذه المفاهيم خلال تاريخ المنطق.
  4. Dictionnaire des logiciens : وهو الصيغة الفرنسية لمعجم المناطقة، وهذا تيسيرا للمشتغلين في هذا الميدان باللسان الفرنسي.

 

ج- سلسلة الأعمال العلمية الأكاديمية:

  1. بحوث منطقية فلسفية: وهو مؤلف يضم دراسات وأبحاثا نشرت متفرقة في دوريات مختلفة وعلى فترات متباينة، ثم جمعت تيسيرا على الباحث والقارئ بين دفتي كتاب واحد.
  2. تاريخ المنطق: ويشتمل هذا الكتاب على دراسات نادرة وشاملة لكل مراحل تطور المنطق منذ مراحله الأولى التي مهدت لظهوره لدى أرسطو إلى غاية أيامنا؛ ويتميز هذا العمل عن غيره من الأعمال السابقة بأنه يخصص دراسة تحليلية ونقدية للمنطق في الحضارة الإسلامية.
  3. ما حول المنطق Métalogique: وموضوعه ميدان بحث حديث النشأة يختص بدراسة الأنساق المنطقية دراسة تحليلية نقدية من ناحية البناء السانتاكسي والبناء السيمونطيقي؛ ويعد هذا المؤلَّفُ من الأعمال الرائدة في هذا الشأن، لأنه من الدراسات المتخصصة النادرة في اللسان العربي.
  4. مدخل جديد إلى الفلسفة التحليلية المعاصرة: يهتم هذا العمل بإبراز المواقف الفلسفية لمؤسسي الفلسفة التحليلية المعاصرة الكبار؛ ومن الناحية المنهجية فهو يبرز العلاقة الوثيقة بين التحليل كمنهج والمنطق واللغة (كما يوضح لنا أهم إسهامات الفلسفة التحليلية المعاصرة في تطوير الفلسفة المعاصرة بصفة عامة، نظرا إلى اعتمادها المنهجَ التحليلي المنطقي).
  5. مدخل جديد إلى فلسفة الرياضيات: ويتضمن الكتاب توضيحا للعلاقة الوثيقة الموجودة بين الرياضيات والفلسفة، كما يتضمن عرضا تحليليا للاتجاهات المتعددة في فلسفة الرياضيات، ولاسيما بعد ظهور أزمة أسس الرياضيات.
  6. دراسة تحليلية نقدية معمقة لكتاب "الرد على المنطقيين" المسمى أيضا بـ "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان"، لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية.
  7. دراسة تحليليّة نقدية بعنوان: "كتاب الشخصية المحمدية في ميزان المنطق والعقل"؛ وهو العمل الذي أسهم به الأستاذ أحمد موساوي في عمل جماعي بعنوان: رحلة الرصافي من المغالطة إلى الإلحاد. وهي دراسة رصد فيها أهم التناقضات والمغالطات المنطقية التي وقع فيها الشاعر الأديب معروف الرصافي، في عمله الضخم: الشخصية المحمدية.
  8. مدخل جديد إلى فلسفة المنطق، ويعالج مجموعة من المشكلات المنطقية الفلسفية التي طرحت خاصة بعد تطور المنطق في الفترة المعاصرة.
  9. تحليلات منطقية معاصرة (مخطوط).

وبهذا يكون للبروفيسور مكتبة كاملة تضم 19 كتابا، وهي رصيد غزير من المؤلفات.

 

هناك علاقة وثيقة بين التحليل كمنهج والمنطق واللغة

 مقالاته:

- هل المنطق التقليدي والمنطق المعاصر هما نفس المنطق، مجلة المبرز، المدرسة العليا للأساتذة.

- تحليل تحليل القضية الحملية عند أرسطو وابن سينا ​​وجوتلوب فريج، مجلة المبرز، المدرسة العليا للأساتذة.

- منطق المحمولات من الرتبة الأولى، دراسات فلسفية، مجلة معهد الفلسفة بجامعة الجزائر.

- العلاقة بين المنطق والفكر والواقع، دراسات فلسفية، مجلة معهد الفلسفة بجامعة الجزائر.

- La forme logique du syllogisme Aristotélicien Etude critique de l’interprétation de Jan Lukasiewicz de la forme du syllogisme Aristotélicien.

 دراسة تحليلية نقدية حول تصور يان لوكاسيفيتش الصورة المنطقية الحقيقية للقياس المنطقي لأرسطو، دراسات فلسفية، مجلة معهد الفلسفة بجامعة الجزائر.

 

اهتماماته البحثية:

  • الاعجاز المنطقي في القرآن الكريم
  • الاستدلالات في القرآن الكريم. 
  • عوامل تطور المنطق في الحضارة الاسلامية في العصر الوسيط

 

كان همي دائما بناء خطاب فكري وفلسفي وصياغتُه على نحو من الوضوح والصرامة والدقة، ليكون بمنأى عن الفوضى الفكرية المؤدّية إلى السفسطة والمغالطة.

تكريم الأستاذ موساوي من قبل قسم الفلسفة جامعة الجزائر 2:

نظم قسم الفلسفة بجامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله حفلا تكريميا على شرف البروفيسور أحمد موساوي بمناسبة إحالته على التقاعد وكانت هذه مبادرة من طلبته وبعض زملائه في التدريس، وكان ذلك يوم 13 ديسمبر 2021، وقد ألقت الدكتورة نعيمة ولد يوسف كلمة بالمناسبة وهي إحدى طالباته التي أشرف عليها في الماجستير والدكتوراه وهذا نصّها:

لما كان الغرضُ الذي يجمعنا اليوم، فضلا عن المحاضرة التي سيلقيها علينا الأستاذ، هو تكريمَه والاحتفاءَ بمقامه الكبير، والتذكيرَ بمسيرته الحافلة بالعطاء العلمي المتميز وبالإنتاج الفكري الغزير، وبالأجيال المتتابعة التي تخرجت على يديه، فإنه يقع على عاتقنا- نحن طلبتَه- أن نبادر، من باب العرفان والامتنان، إلى تكريمه والتنويه بأفضاله علينا خاصة، وعلى قسم الفلسفة عامة. لذلك ارتأينا أن نصدِّرَ كلمتنا المتواضعة هذه بإيراد مقطعين مقتبسين من أجلِّ نصوص الفلسفة؛ أما الأول فهو للفيلسوف المعلم الأول الذي يقول في مختتم مقالة الألف الصغرى من كتاب ما بعد الطبيعة، ما يلي: "ومن العدل ألا نقتصر على أن نشكر الذين شاركناهم في الآراء بأعيانهم فقط دون أن نشكر من كان له في ذلك ولو بعض الحظ؛ فإنهم قد أعانونا بعض المعونة؛ وذلك أنهم تقدموا فراضوا عقولنا وخرَّجوها. فإن طيماوس لو لم يكن لكنا نعدِم كثيرا من تأليف اللحون، ولو لم يكن حروسيس لم يكن طيماوس؛ وعلى هذا المثال يجري الأمر فيمن تكلم بالحق؛ وذلك أنَّا أخذنا بعض الآراء عن بعض من سلف، وكان آخرون السببَ في كون هؤلاء".

وأما الاقتباس الثاني، فليس سوى ما أضاء به الشارح الأكبر، ابن رشد، هذا المقطع بالذات في تفسيره الكبير، حيث يقول بشأنه: "هذا الذي ذكره هو واجبٌ في حق المحدَثين مع المتقدمين. وذلك أن القدماء يتنزلون من المحدثين منزلة الآباء من الأبناء، إلا أن ولادة هؤلاء أشرف من ولادة الآباء، لأن الآباء ولدوا أجسامنا والعلماءَ ولدوا أنفسنا، فالشكر لهم أعظم من شكر الآباء والبرُ بهم أوجبُ والمحبةُ فيهم أشدُ والاقتداءُ بهم أحق".

ولهذا، فإن شكرنا لك- أستاذنا الفاضل- على مقتضى إشارة الشارح الأكبر، هو اعترافٌ بالجميل، وعرفانٌ منا لك ليس له انقضاء، وديْنٌ لا نملك مهما استفرغنا الوسع والجهد أن نؤدِّيَه لك كاملا غير منقوص.

وإذا كان قد استقر في عرف المؤسسة الجامعية الجزائرية أن تسمي المنتسب إلى سلك التدريس فيها بلقب الأستاذ والدكتور والبروفيسور، فاسمحوا لي بهذه المناسبة الاستثنائية أن أتجاوز هذا العرف السائد، لأذكِّر الحاضرين بأن لأستاذنا لقباً آخرَ، لعل قلةً منا فقط هم من يعلمون بشأنه، ألا وهو لقب المجاهد.

إن أستاذنا الذي جاهد ضد الاستعمار الغاشم وهو في ريعان الشباب في معركة استعادة السيادة والحرية، قد عايش ما خلَّفه الاستعمار البغيض من بؤس ودمار وجهل؛ ولما كان من فصيل المجاهدين الحقيقيين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقد ثبت في الميدان وانخرط مبكرا في تجربة جهادية أعظم من سابقتها، وهي تجربة تنوير العقول بعد تحرير الأبدان. وقد كان ذلك صنيعَه حين اختار بتبصر ودراية مجال التعليم والتربية، ثم سلك بعدها مسلكا فريدا حين اقتحم ميدان بحث قلَّ سالكوه حينذاك لأنه يتطلب، ناهيك عن التكوين المحكم، إرادةَ معرفةٍ لا تلين، وليس هذا الميدان سوى ميدانِ الفلسفة والمنطق على وجه التحديد؛ ذلك لأنه لا شيء، في نظر أستاذنا، أحسنُ من المنطق في بناء العقول الواعية المستنيرة، وتهيئةِ مسالك التفكير السليم، ولذلك فقد كان همَّه- مُذْذَاك- بناءُ خطاب فكري وفلسفي وصياغتُه على نحو من الوضوح والصرامة والدقة، بحيث يكون هذا الخطاب بمنأى من كل أشكال الغموض اللغوي الذي هو المصدر الأساسي للسفسطة والمغالطة والمجادلات اللفظية العقيمة والفوضى الفكرية.

إن تطلع أستاذنا إلى الريادة في هذا المجال وإلى التحصيل العلمي المتين في المباحث المنطقية المعاصرة، هو الذي قاده إلى جامعة السربون- التي سبقه إلى التخرج منها كبارُ المفكرين ومشايخُ التدريس بباريس- لينال منها أول شهادة بدرجة دكتوراه الدولة في تخصص المنطق، يتحصل عليها باحث جزائري.. وقد عاد بعدها إلى بلاده ليواصل مسيرته الجهادية ورسالته العلمية التربوية.