الاسم: بشير
اللّقب: حليمي
تاريخ ومكان الميلاد: سنة 1956م بسوق أهراس
الشّغف هو العنصر الأساسي لتحقيق الأحلام، وإذا أراد الشّاب أن يحقّق مشروعا فيجب عليه أن يحبّه.
المولد والنشأة:
ولد بشير حليمي في قرية "مداوروش" ولاية سوق أهراس بالشرق الجزائري ذات يوم من سنة 1956م، وهو من عائلة بسيطة وفقيرة، أبوه يدعى مصباح، وأمه فطيمة بن عدودة، نشأ بجانب ستة من إخوته؛ بنتين وأربعة ذكور، دخل المدرسة الابتدائية في قريته سنة 1968م، وعمره لا يتجاوز 6 سنوات حيث أظهر نبوغا وتفوقا في دراسته، ومما ساهم في ذلك تشجيع والديه ومعلّميه وبالخصوص معلّمه "عبد العزيز فارح"؛ الذي ترك في نفس بشير أثرا طيّبا، حيث أنه لم يكن معلما فقط بل كان مربيا وأبا حنونا.
يذكر بشير أنه لما بلغ 8 سنوات ارتحلت عائلته إلى بادية "لُبَايَضْ" المعزولة خارج قرية مداوروش حيث لا ماء ولا كهرباء، فكانت العائلة تستعمل "الكانكي" للإضاءة والتبن للطبخ، أما البيئة فكانت فلاحية بامتياز، وكانت العائلة تحسّ بكلّ فصول السنة من حرّ وقرّ وأمطار وثلوج. في هذه الفترة كان بشير يقطع كل يوم مسافة 14 كلم ذهابا وإيابا لأجل استكمال دراسته الابتدائية، حيث يمرّ بآثار قرية "مادور" الرومانية العريقة، ولبعد المسافة تتعذر عليه العودة في نهاية الفترة الصباحية، فكان معلّمه "عبد العزيز فارح" يدعوه كل يوم لتناول وجبة الغداء معه على حسابه؛ تارة عنده في البيت وتارة أخرى في زقاق "الحمامصة"، إلى أن تحين الفترة المسائية والعودة للمدرسة.
يقضي بشير خلال العطلة المدرسية -وهو في البادية- معظم وقته خارج المنزل؛ رغم تحذير والديه له من ضربات الشمس، حيث كان يخترع لعبا بأدوات بسيطة يبيعها لأولاد الدوّار؛ مصنوعة من بقايا العلب المعدنية والأسلاك، ومع قليل من الابتكار تصبح هذه الأشياء لعبا ترفيهية مفيدة ذات قيمة يشتريها أطفال القرية مقابل حبات بيض أو كمية من القمح يجمعها بشير؛ ثم يعيد بيعها لمحل البقالة الموجود على بعد 03 كلم من منزله، وكل ذلك مقابل دنانير يسلّمها لأمّه للاحتفاظ بها، ومع مرور الوقت جمع بشير مبلغا قدره خمسة عشر دينارا اشترى به دراجة هوائية خففت عنه وطأة التنقل اليومي للمدرسة.
كنت أفتخر كثيرا لم تبتسم لي أمي وأنا أقدم لها دخلي اليومي وأشعر بافتخارها بي لتوفقي في الدراسة.
أنهى بشير مرحلة التعليم الابتدائي بتفوق وتميّز لينتقل بعدها إلى مدينة "سدراته" لمواصلة دراسته المتوسّطة وبنفس التألّق، ولعلّ من بين الأساتذة الذي تركوا فيه أثرا كبيرا أستاذه في الرياضيات "نور الدين باحورة" الذي كان يجمع بين المرح والصرامة، فكان بشير يستوعب دروسه بسرعة وسهولة.
معلميّ أثروا فيّ كثيرا، لذا عملت لأكون دوما عند حسن ظنّهم وظنّ والديّ.
بعد المرحلة المتوسّطة ينتقل بشير -مرة أخرى- سنة 1972م إلى مدينة "عنابة" ليستكمل تعليمه الثانوي "بثانوية عنابة التقنية" في شعبة الرياضيات التقنية وهي من الفروع الصعبة، واستقرّ في إقامتها الداخلية.
في سنة 1975م ومع اقتراب موعد امتحان شهادة البكالوريا بأسبوعين شعر بشير بألم مفاجئ أسفل بطنه، عرض نفسه على ممرضة الداخلية فلم تعر له اهتماما وقالت له بأنه يتظاهر فقط ليتهرب من المراجعة والامتحان، ومع زيادة الألم نُقل إلى عيادة لكن لم يتم تشخيص سبب ألمه بدقّة، فاستمرّ الوجع حيث صار بشير لا يقوى على النهوض، فزادت أزمته بانفجار الزائدة الدودية حيث نقل على جناح السرعة إلى المستشفى وخضع لعملية جراحيّة مستعجلة تم من خلالها استئصال تلك الزائدة، ومما زاد الطين بلّة أن الجرح لم يندمل مما جعله غير قادر على الجلوس، فأجرى امتحان البكالوريا على سرير المرض.
بشير يكتشف خطأ في امتحان البكالوريا!
بينما يجتاز بشير امتحان شهادة البكالوريا وفي مادة الفيزياء يكتشف خطأ في أحد الأسئلة، فينادي على الأستاذ المراقب ليستفسر عن الأمر؛ فيجيبه أن السؤال صحيح وليس فيه أي خلل لأن هذا مستحيل كونه امتحان وطني أعدته لجنة من الأساتذة الخبراء؛ فعليه فقط إعادة القراءة والتركيز، لكن ثقة بشير بنفسه أكّدت له صدق ما وجده، فكتب في ورقة الإجابة أن السؤال المطروح خاطئ فقام بتصحيحه ثم الإجابة عليه. بعد ذلك بقليل يدخل عليه أستاذه الفرنسي واسمه "بواسون" ليطلب منه تبيان الخطأ ثم خرج وأتى أحد المسؤولين بعد قرابة 10 دقائق ليطلب من طلبة المتحنين بإعادة صياغة السؤال بعدما تم تصحيحه على المستوى الوطني.
الثقة في الّنفس والمثابرة هما أساس كلّ نجاح
نجح بشير بتفوق وجدارة في امتحان البكالوريا دورة جوان 1975 لتتم دعوته إلى العاصمة لتكريمه مع ثلة من الطلبة المتفوقين أمثاله من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين، وتحقق حلمه بأن يقف جنبا إلى جنب مع رئيس الدولة الجزائرية، لتخرج صورته في اليوم الموالي بالقرب منه في الصحف الجزائرية. يقول بشير أن هذا اللقاء كان حلما بالنسبة إليه فتحقق ليبقي محفورا في ذاكرته ولن ينساه مدى الحياة.
الدراسة في كندا:
عقب نجاح بشير في امتحان البكالوريا حصل على منحتين تقدّما بهما؛ إحداها من شركة "سوناكوم" لدراسة الميكانيك ببوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، والثّانية من شركة "سوناطراك" لدراسة علوم الحاسب الآلي في مونتريال بكندا ولمدة خمس سنوات، فاختار الأخيرة لأن اللغة المتداولة فيها هي الفرنسية، حيث لن يجد صعوبة للدراسة بها عكس اللغة الإنجليزية.
انتقل بشير إلى جامعة مونتريال بكندا سنة 1975م، فوجد في البداية صعوبة الاندماج مع المجتمع الكندي، ولقي أيضا في الأشهر الأولى من دراسته لتخصص الحاسب الآلي صعوبة كبيرة في فهمه، ولكن في نهاية مرحلة الليسانس -والتي أنهاها في ظرف قياسي- وبعد مرور ثلاث سنوات من الدراسة الجادّة تمكّن من فهم هذا المجال والتحكّم فيه ومعرفة طريقة عمله، ليحصل بذلك على الـBC Baccalauréat of science من كلية العلوم والفنون في تخصّص "هندسة البرمجيات" Software engineering؛ وهذا في سنة 1978م.
وفّر بشير السّنتين المتبقيّتين من مرحلة الليسانس لدراسة الماستر بنفس المنحة، وكانت هذه المرحلة عبارة عن مجموعة من المحاضرات متبوعة بمشروع بحث تخرج في موضوع "أنظمة التشفير القابلة للبرمجة" Cryptography، وفي نفس الفترة صمّم نظام تشفير جديد يسمى COLPO للخصوصية والأمن السيبراني. وبعدما أتمّ بشير دراسته للماستر رجع إلى الجزائر ليعود للشركة التي أوفدته للعمل فيها لمدّة 05 أو 07 سنوات وهذا حسب الاتفاق والعقد المبرم.
العديد من الفرص جاءتني وأغتنمها بسرعة، غير أنّ الاختيار بينها لم يكن سهلا، فأنا أعتبر أنّ الذهاب إلى الاختيار الأحسن هو بحد ذاته حظ.
من بين الأمور التي ساهم فيها بشير حليمي حينما كان طالبا في كندا تأسيس جمعية للطلبة الجزائريين؛ تقيم تظاهرات علميّة وثقافية تبرز فيها الموروث الثقافي والتاريخي للجزائر، لتكون للجالية الجزائرية هناك ارتباط دائم بالوطن الأم، وبمرور الزمن وفي سنة 2002م ساهم بشير أيضا مع نخبة من الكفاءات المغاربية في تأسيس "نادي المستقبل" La fondation club Avenir، وهي منظمة غير ربحية تسعى للإسهام في بناء مستقبل الجالية الجزائرية والمغاربية بصفة عامة وتسهيل اندماجهم في المجتمع الكندي، حيث ترأس هذه المنظمة لما يقرب من 10 سنوات.
كما أن للدكتور بشير حليمي عمل ومشاركات مع الصليب الأحمر الكندي La croix rouge canadien وهذا منذ سنوات عديدة، حيث قدم لهم خدمات تكنولوجيّة أسهمت كثيرا في تحسين طريقة العمل، ومساعدة المتطوعين الجدد، كما عيّن مستشارا لرئيس الصليب الأحمر الكندي.
يذكر السيّد "كونار سوفيه" رئيس الصليب الأحمر الكندي قصّة تعرّفه على بشير حليمي لأول مرّة حيث يقول: "قابلت بشير للمرة الأولى في ملعب كرة القدم، كنا مجموعة من الأشخاص نلعب معا في فرق مختلفة، ثمّ لعبنا معا في فريق واحد، وبطبيعة الحال كنا بعد انتهاء المباراة نتبادل أطراف الحديث ونتعارف فيما بيننا، أدركت حينها أنّ لبشير خبرة في التكنولوجيا، وبما أني كنت أدير جانبا من عمليات الصليب الأحمر الكندي، كنا نواجه صعوبات بسبب تعثر إحدى محطات استقبال المكالمات التابعة لنا، فطلبت من بشير أن يهبّ لنجدتنا، ويجد لنا حلا ويساعدنا في التفاوض على إيجاد دعم أفضل لتلك العمليات، تلك كانت المرة الأولى التي يتكرّم علينا بشير بعرض مساعدته، وكان ذلك قبل عشرين عاما، وما زال منذ ذلك الوقت وإلى اليوم يقدّم لنا خدمات جليلة".
حي على العمل! اليوم الذي لا نجز فيه هو يوم ناقص بالنسبة لي.
بشير وقصته مع تعريب الحاسب الآلي:
كان بشير حليمي يعشق الخط العربي والفن عموما منذ نعومة أظافره، حتى أنّه رسم وخطّ بيده لافتة أشهر مقهى في قرية مداوروش "مقهى الملتقى"؛ ووقعها بأول حرف من اسمه ولقبه فكانت كلمة "حب"، أعجب صاحب المقهى وزبائنه باللافتة، فذاع صيته كخطاط في القرية، فطلبت منه بلدية مداوروش كذلك نفس الطلب بأن يخطّ لافتة لها.
درس بشير فترة من الزمن بعيدا عن العائلة في سدراته ثم عنابة، كان يكتب ويصمّم بيديه بطاقات المعايدة ثم يزيّنها ويرسلها لهم، فأصبحت هذه عادته حتى بعد انتقاله لكندا حيث كان يقوم بنفس الشيء طيلة ثلاث سنوات رغم عدم توفر الإنترنت ورداءة الاتصال بالهاتف وغلاء كلفته، ومع ذلك كان يخطها ويزخرفها ثم يرسلها عبر المحيط إلى والديه العزيزين وعائلته، حتى جاءته فكرة ماذا لو أنه قام بمحاولة كتابة بطاقة تهنئة العيد بواسطة الكومبيوتر؟ من هنا بدأت حكايته مع تعريب الحواسيب.
وبالفعل نجح بشير حليمي في تطويع الكمبيوتر ومفاجأة عائلته بأن كتب لهم عبارة "عيد سعيد" بطريقة سليمة ولأوّل مرّة، وحين أتمّ ذلك كان العيد قد مضى، لكن هذه الخطوة الصغيرة كانت مهمّة بالنسبة إليه؛ فهي خطوة كفيلة لتُدخِل اللغة العربية مرحلة جديدة في عالم الكمبيوتر والمعلوماتية، حيث أن أنظمة الكمبيوتر وقتها لم تكن تدعم اللغة العربية ولا طريقة كتابة حروفها بشكل سليم، فعملاقة الحواسيب آنذاك شركة آي بي أم IBM كانت قد اقترحت طريقة للكتابة العربية بمساعدة باحثين من الوطن العربي مفادها إجراء تغييرات على الكتابة لكي تندمج داخل الكمبيوتر؛ مما جعلها تظهر مشوهة ومتقطّعة ومتعرّجة ولا تليق بمقام اللغة العربية، لمّا رأى بشير أن لغته تظهر على الشاشات والطابعات بذلك الشكل، استنكر هذا الأمر لأنّه مقتنع بضرورة تطويع التكنولوجيا حتى تصير خادمة للكتابة العربية وليس العكس، فابتكر خوارزميات تجد أوتوماتيكيا -أثناء الكتابة- شكل الحرف حسب موقعه من الكلمة، حيث أدخلها ضمن برنامج خاص على الكومبيوتر، ممّا يمكّنه من التعرّف على الحروف وشكل تموضعها في الكلمة، فلكل حرف أربعة أشكال مختلفة، في البداية والوسط وفي آخر الكلمة وعندما يكون منفردا، بينما هناك بعض الحروف لديها شكلين فقط مثل ذ، د، ر، ز.. وغيرها من المميّزات الأخرى التي لا توجد في الحروف اللاتينية، جمع بشير كل هذه التفاصيل وصنّفها، وعمل على إضافتها للبرنامج.
يقول بشير أن خوارزميّته استلهمها من قطار قريته الصغيرة "مداوروش"، حيث تذكّره لمّا كان صغيرا حين يجلس مع أصدقائه يتأمّله -وهو يمرّ كلّ يوم بالقرب منهم- كيف كانت مقطوراته مترابطة، هنا بدأ يتخيّل الحروف كأنّها عربات بعضها مرتبطة من جهتين والبعض الآخر من جهة واحدة والأخرى غير مرتبطة تماما، وهو نفس المبدأ الموجود في كتابة الحروف العربية.
أكبر افتخار لي في مشروع تعريب الحاسب الآلي، هو رفض تحريف الخط العربي.
حقّق الدكتور بشير حلمه من خلال إيجاد حلّ ذكي وأنيق لتعريب أنظمة الكومبيوتر، حيث تحوّلت الفكرة إلى براءة اختراع أسّس من خلالها بشير شركته الأولى "أليس" ALIS وهي اختصار لـ: Arabic Latin information system، وكان ذلك سنة 1981م؛ وهي شركة لتعريب أجهزة الكومبيوتر الشخصية PC. وللعلم فإنّ بشير بدأ هذا المشروع لما كان في الجامعة بصدد إنهاء دراسته للماستر وقبل بداية مرحلة الدكتوراه سنة 1981م.
لما اختار بشير موضوعا طموحا وكبيرا لدراسته في الدكتوراه؛ تزامن ذلك مع تأسيس شركته الجديدة فسخّر جلّ وقته وجهده للعمل على مشروع تطوير برنامج تعريب الحاسب الآلي؛ ممّا حال دون تمكّنه من إكمال دراسته والحصول على شهادة الدكتوراه.
مايكروسوفت تشتري "أليس":
بعد نجاح مشروع تعريب الحاسب الآلي من قبل شركة "أليس"؛ عرض مستثمرون من سان فرانسيسكو على بشير حليمي إنشاء شركة معه لتسويق المنتج؛ فأعجب بالفكرة كونها تسهم في إدخال الحواسيب للعالم العربي وخصوصا بلدان الخليج تعمل بلغة عربية سليمة وأصيلة. في البداية كان الأمر صعبا؛ من خلال إقناع بلدان عربية شراء المنتج؛ إلى أن قرّرت حكومة المملكة العربية السعودية اعتماد اللغة العربية في جميع مراسلاتها عوض اللغة الإنجليزية، فزاد الطّلب على الأجهزة وازدادت رقعة التوزيع.
وفي سنة 1982 قررت شركة ميكروسوفت Microsoft دخول السوق العربية، والترويج لمنتوجها نظام "أم أس دوس" MS-DOS بطريقة قويّة، فوجدت أنّ أحسن حلّ لذلك هو برنامج شركة "أليس".
ذات يوم من عام 1986م تلقّى بشير اتصالا مفاجئا من ميكروسوفت وطلبت منه لقاءا للتفاوض والتشاور حول مشروع تعاون. وتمّ اللّقاء مع محامين ومسؤولين من شركة ميكروسوفت طلبوا شراء التكنولوجيا بسعر مخفّض، وتمّت الصّفقة بأن تستحوذ شركة ميكروسوفت على "أليس" وشرائها، لم يكن يهمّ بشير آنذاك المال بقدر ما كان يهمّه أن تصير الفكرة متاحة ومتوفرة في أجهزة ستنتشر في العالم ككل والعالم العربي بالخصوص، وبهذا يكون بشير قد حقّق هدفه المنشود. وبالفعل قامت ميكروسوفت بدمج تقنية التعريب الخاصة بـ Alis في نظام التشغيل Windows وكل تطبيقتها من بينها Word وExcel وPowerPoint. في عام 2004 تم بيع أليس لشركة Nstein Technologies التي استحوذت عليها شركة Open Text في عام 2010.
اتبع شغفك في الحياة، واجعله مشروعك، ولا تخشى الفشل.
تأسيس شركة الاتصالات "ميديا سوفت":
بعد صفقة ميكروسوفت بشراء شركة "أليس" والذي سمح بتعريب كل أجهزة "أم أس دوس" والأجهزة الشخصية، فكّر بشير حليمي في مشروع آخر، يمكّن الشركات من تخفيف الضغط وتكلفة خدمة عملائها المتصلين والرد على انشغالاتهم، فتم التفكير في اختراع أجهزة تقوم بالردّ آليا على اتصالات الزبائن، وتقوم بتحويل مكالمتهم إلى الخدمة المطلوبة، وفي حال لم يتلق المتصلّ ردّا يمكنه ترك رسالة صوتية، لم تكن هذه التقنية متوفرة في سنوات 1986م و1987، ولكن الموجود أجهزة تعمل فقط على نظامي UNIX أو DOS، ومشكلة هذه الأجهزة تكمن في واجهة المستخدم الخاصة بتلك الأنظمة؛ والانقطاعات المتوالية التي تطرأ عليها.
فتمّ إنجاز جهاز أنظمة مكالمات هاتفية متطوّر وسهل، يعمل بواجهة نظام التشغيل ويندوز Windows مع إدماج نظام التشغيل القوي والصلب يونيكس UNIX، فيمكن للمستخدم مشاهدة المكالمات ومراقبة ما يحدث على الجهاز بواجهة ويندوز، ويقوم نظام التشغيل المدمج Unix بالتنفيذ؛ وذلك بالإجابة على المكالمات وتحويلها وعمل أشياء أخرى شبيهة، وبذلك يكون بشير حليمي قد أسّس شركته الثانية والتي أسماها "ميديا سوفت" Media Soft عام 1987م.
تهاطلت على الشركة الجديدة طلبات من قبل مؤسسات كبرى لاقتنناء هذه التقنية، مثل: "فرانس تليكوم" و"سينغابور تيليكوم"، و"بيل كندا"، بعد أن وجدت هذه الأخيرة أنّ أجهزة "ميديا سوفت" تحلّ لها مشاكل كبيرة، وقد لقيت هذه الأجهزة رواجا كبيرا في العالم كما حصدت عدة جوائز دولية.
أرادت شركة "إنتل" شراء "ميديا سوفت" ولكن بشير رفض ذلك لأنّه فضّل البقاء في كندا وعدم السّفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فاقترح عليهم أن يدخلوا كشريك مستثمر فقبلوا ذلك وتم شراء أسهمها. وبعد مرور سنتين تمت صفقة بيع "ميديا سوفت" لشركة الاتصالات الكندية "بيل كندا".
رجائي وأملي أن يكونا وطني في مصاف الدول المتقدمة بسواعد شبابه وكفاءاته.
بشير يبدع مرة أخرى في "سبيتش موبيليتي":
قبل مجيئ صفقة بيع "ميديا سوفت"، كان الدكتور بشير حليمي يفكّر في مشروع آخر وهو "سبيتش موبيليتي" Speech mobility، يعمل على تصميم هاتف ذكي خاص بالشركات، يساعد على معرفة متى يكون المتَصل به متاحا، ومتى يحوّل المكالمة من المكتب إلى الشخص المعني وغير ذلك، وكان الهدف من المشروع كذلك أن يكون الهاتف أكثر ذكاء ليكون بمثابة سكرتيرة شخصيّة؛ يعرف أصدقاء وأقرباء وعملاء المستخدم وخياراته المفضّلة، ومتى يكون هذا المستخدم متاحا للرد على الهاتف والمكالمات المهمّة، يقرأ له الرسائل الصوتية والإيميل خاصة عندما يكون منشغلا بقيادة السّيّارة كما يراجع له أجندة مواعيده اليوميّة، ويتلقى الأوامر. فكان على بشير من خلال هذا المشروع تطوير نظام يمكنه تحصيل معلومات دقيقة من صاحب الهاتف، كحالته ونوع المكالمات التي يفضّلها، لذلك يحتاج البرنامج إلى خوارزميات معقّدة وقاعدة بيانات ضخمة، كما أنّ هذا المشروع يهدف إلى اغتنام الوقت وكذا حماية المستخدمين من الاتّصالات الغير مرغوب فيها والمزعجة؛ كما أنّ الجهاز مطوّر يظهر اسم المتصل دون رقمه.
ظهرت شركة سبيتش موبيليتي Speech mobility بصفة رسميّة سنة 2012م، وبقيت تشتغل تحت رئاسة الدكتور بشير حليمي، وحقّقت نجاحا باهرا حيث قامت شركات عالمية كبرى بتسويق منتجاتها والترويج لها. في سنة 2021م قدّمت الشركة الكندية الرائدة في مجال الاتصالات Iristel عرضا لشرائها والاستحواذ عليها، فقُبل العرض وتمّت الصّفقة.
لا يتوانى الدكتور بشير حليمي إلى جانب إدارته لشركته الرائدة؛ في تقديم الاستشارات وخبراته في المجال للمشاريع الطموحة التي يقدّمها الشباب وربّما بالمال أيضا لتحقيق أحلامهم ومشاركتهم النجاح.
أنصح الشّاب الجزائريّ إن كانت لديه فكرة فليبحث عمّن يشتركون معه نفس الاهتمام لبناء مشروع يحقّق لهم أحلامهم.
الجوائز والتكريمات:
حصل بشير حليمي والشّركات التي أسّسها على العديد من الجوائز، من قبل الجمعيات المهنيّة وهذا تقديرا لإنجازاتها وابتكاراتها.
في 2021م كان بشير حليمي ضيفا خاصا لبطولة كأس العرب لكرة القدم بقطر مع غيره من العلماء ضمن فكرة "الطيور المهاجرة".
كما حصل بشير على عدة جوائز خاصة منها:
جائزة CTI الذهبية الكندية 1999م، وهي جائزة مقدمة من CTI World لمن يكون له الأثر الكبير في تطوير CTI (تكامل الاتصالات الهاتفية بالكمبيوتر) في كندا.
1997م جائزة "نجم الصناعة" تقدمها مجلة Teleconnect الأمريكية المرموقة للشخص الذي قدّم إضافة نوعية في مجال الاتصالات الحديثة.
بشير وحياته الأسرية:
حرص بشير حليمي في حياته الأسرية على الربط بين أصوله الجزائرية وغربته في كندا، وقد انعكس هذا بنجاح على بناته الأربع، بعون من زوجته "هدى خليفية".
يقول بشير حليمي في هذا الشأن: " أنا متزوج من هدى وهي شريكة حياتي تساعدني في أعمالي، وتهتم بكل النشاطات العائلية على وجه الخصوص، وتوفر لي الوقت لتحقيق مشاريعي وأحلامي، عندي أربع بنات ملأن علي حياتي، ليديا عمرها 36 سنة؛ وهي مديرة إنتاج في شركة صناعية، وفاطمة التي أخذت اسم أمي وعمرها 25 سنة، متزوجة ومسؤولة تسويق في شركة مهمة بمونتريال، ومريم عمرها 23 سنة مازالت تدرس وتشتغل في نفس الوقت، وليلى عمرها 12 سنة، وهدى هي التي ترأس هذه العائلة وتتكفل بكل الأمور.
مطمئنّ جدّا أنّ مستقبل الجزائر سيكون أفضل وأحسن.
Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast