الخبيرة المعمارية نعيمة بن كاري الحالمة بترميم المسجد الأقصى في حوار خاص لبركة نيوز

نعيمة بن كاري عالمة جزائرية تميزت في مجال العمران تنحدر من مدينة سطيف الغنية بالمعالم والآثار التي ألهمتها لتصبح مهندسة معمارية بلغ صيتها مختلف الأقطار، في سنة 2016 اختيرت  كمستشارة لدى اليونيسكو فيما يخص تصنيف المناطق الأثرية على لائحة ذات المنظمة الدولية.

تحصلت سنة 2022 على وسام العالم الجزائري رفقة عالمين أخرين ولكنها شدت الأنظار بكلماتها القوية وتجربتها المميزة وما ختمت به حديثها عن حلمها بترميم القدس ترك الآثر البالغ في نفوس مئات الحضور.

في لقاء جمعنا بهذه الشخصية المميزة كان لنا حديث عن مسيرتها العلمية التي كانت محاطة بالكثير من التحديات،لتكون اليوم أيقونة شرفت الوطن وباحثة تألقت في مجال التراث العمراني.

حاورتها زهور بن عياد

بداية حديثنا عن مسيرتك العلمية وماهي دوافع اختيارك لتخصص الهندسة المدنية والعمران؟

أنا منتج المدرسة الجزائرية والجامعة الجزائرية، حصلت على شهادة مهندس دولة في العمارة من جامعة سطيف ثم انتقلت الى فرنسا لدراسة الماجستير ثم الدكتوراه ، تخصصت في التراث العمراني لوادي ميزاب حول عمارة المساجد وفي منطقة جربة وسلطنة عمان كذلك.

مرحلة الدراسة لم تكن سهلة خاصة وأن الجزائر كانت تمر بظروف سيئة جدا في فترة التسعينات انعكست على الواقع بشكل عام ولكن بفضل المثابرة والعمل والإيمان تحصلنا على تسهيلات بالسفر والتعرف على دولة عمان والتي حلمت أن أكون يوما ما دكتورة أدرس بتلك الجامعة.

بعد سنوات وحصولي على الدكتوراه بدرجة مشرف جدا وتهنئة اللجنة العلمية المتكونة من أهم العلماء في الميدان وتم قبول ملفي لأكون أستاذة محاضرة في الجامعات الفرنسية برقم تسلسلسي سنة 2004، ولكن في تلك الفترة التي تميزت بموجة حادة ضد المحجبات لم يتسنى لي الحصول على عملي في فرنسا.

من فرنسا إلى سلطنة عمان مرحلة أخرى وتحديات أخرى حديثنا عن هذه التجربة؟

هذه الظروف اضطرتني للخروج من قوقعة الفروكفونية والإنفتاح نحو آفاق أخرى ولغات أخرى واستذكرت زيارتي لسلطنة عمان وامكانية التدريس فيها وحولت لغتي من ناحية التدريس والكتابة والقراءة إلى اللغة الإنجليزية وبتسهيل من الله تمكنت من الحصول على أول عقد لي في الإمارات العربية، ثم انتقلت إلى عمان أين أدرس حاليا بصفتي أستاذ مشارك في جامعة السلطان قابوس في قسم الهندسة المدنية والمعمارية.

 ولكن بالتوازي مع ذلك وبعد انهاء رسالة الدكتوراه التحقت بهيئة الإيكوموس كخبيرة في اليونيسكو وأنا حاليا إحدى المتخصصات بالهيئة الخاصة بادراج المعالم الآثرية على لائحة اليونيسكو منذ سنة 2016كما أقدم استشارات للمؤسسات ووزارات في العالم العربي.

وفي اليابان قدمت استشارة لإدراج مقابرالأباطرة اليابانيين على لائحة اليونيسكو والذي تم سنة 2018 ومازال التعاون قائما مع الزملاء اليابانيين الى يومنا هذا.

نعود لأسباب اختيارك لمجال الهندسة المعمارية، فهل هي الرغبة والميول أم حب الفضول أو رغبة الوالدين؟

تحصلت على البكالوريا وكان إختيار أي  تخصص يعتمد على المعدل، كانت الآفاق واسعة أمامي فسجلت في العلوم الدقيقة والبيولوجيا ولكن والدي كان يريدني طبيبة، أما والدتي أرادت أن أكون محامية باعتبار عائلتها  كانت تضم الكثير من ممتهني هذه المحامات ، فقلت في نفسي لا هذا ولا ذاك لكي لا أغضب والديا اخترت الهندسة المعمارية.

ولاني ترعرعت في مدينة سطيف المعروفة بمعالمها الرومانية والعمارة الكولونيالية كان ينتابني الفضول حول حقيقة نشأتها وهذا ما ساهم في اختياري لمجال الهندسة.

يرى الكثير من المختصين أن التراث المعماري مجال حديث مقارنة بالعلوم الأخرى،وله تميز وارتباط بمختلف العلوم، هل توافقينا على هذا الطرح؟

التراث المعماري يعتبرعلم جديد مقارنة بالعلوم الاخرى كالتاريخ والفلسفة حيث بدا ينظر له بداية من القرن 19، وهوعلم له مبادئه وفي سنة 1972 أستحدثت لائحة لليونيسكو تحدد المعلم الذي له قيمة علمية واستثنائية.

فالتراث مرتبط بالتاريخ والإيكولوجيا وعلم الإجتماع وهو ليس فقط علم الأحجار بل يرتبط بتاريخ من بنى هذه الأحجار لذا استمتع كثيرا في ميدان تخصصي لأنه مفتوح على تخصصات أخرى كمواد البناء وتكوينها وصلابتها وكيفية اختيارها فكل هذه العلوم تغذي امعلومات المتخصص في التراث المعماري.

بمناسبة الحديث عن المعالم الأثرية،نلاحظ  ان الجزائر تسخر بمعالمها إلا أن هناك اختلاف وتجاذب حول المعلومات المقدمة على غرار القصبة،مارأيكم في هذا ؟

 فيما يخص القصبة والمدن الجزائرية هي تراكم طبقات تاريخية مختلفة وهي ليست من العهد العثماني فقط بل تمتد من عهد الفنقيين إلي الرومان إلى الحضارة الإسلامية والدولة العثمانية والتدخل الفرنسي فيها.

فالمشكلة أن المنطقة العربية لها تراث غنيا شاسعا وواسعا وضاربا في القدم ولها مواقع كثيرة، إلا أنها  حسب المناطق الخمسة التي صنفتها اليونيسكو تعتبرالأقل امتلاكا للمعالم الآثرية، وهنا نتساءل لماذا مصر والعراق التي تمتلك حضارة الآشوريين وبابل، لها أقل عددا من المعالم فهذا طبعا لا يدل على فقرها من التراث وانما يدل على وجود خلل و إهمال وعدم اهتمام بهذا التراث من ناحية التأريخ والتوثيق والتعريف به.

همة عالية وحلم كبير أفصحت عنه،بمناسبة تتويجك بوسام العالم الجزائري لسنة2022،ويتعلق الأمر بحلم ترميم الأقصى؟

القدس ستحرر هذا إيمانا راسخا لدينا كمسلمين وستاتي فترة ويعم فيها العدل في المنطقة لأن القدس ليست ملك للمسلمين فقط بل هي موقع الديانات الثلاث.

فالقدس اليوم أسير ولكن بوقفة أهله والمسلمين والشرفاء من غير المسلمين سيتحرر، فالجزائر بقيت أسيرة لأكثر من 130 سنة وتحررت وكذلك بالنسبة للقدس|،فرؤيتي واضحة وحلمي أن أتشرف بزيارة القدس والمشاركة في ترميمه.