أ.د محمد موسى باباعمي

باسم الطفل الوليد، وباسم الأمِّ الرؤوم، وباسم الشيخ الكتوم، وباسم العامل في صمت... والليل ليل... 

مبتهلا إلى الله أن يغدق على الجزائر، وعلى العالم من حولها، نفحةً من روْحه، ونفخة من رُوحه، وكفلين من رحمته؛ 

فيشرقَ من رحم المعاناة فجرٌ جديد، وغد – بإذن الله – سديد... باسم هؤلاء جميعا أقول:

*حلمي أن لا يغتال الحلم...  

*أملي أن لا يموت الأمل...  

*بكائي وابتهاجي، حنيني وأنيني... 

أن لا يُجهض جنين الفجر السعيد من رحم الصبية والصبايا... صبيحة هذا العيد...

*أنقّب عن مقبرة لدفن اليأس من زمن بعيد... بعيد بعيد، فأعينوني بقوة...

*أبحث عن سرداب أطمِر فيه القنوط وأدفنه إلى الأبد، فهاتوا أيديكم لنقضيَ عليه مرة واحدة...

- قال القدر الحليم، وهو يربت على كتف الفتى:

أيها الفتى الذكي، صور لي "جزائرك" على أيِّ شاكلة تراها، وفي أيِّ صورة تتمثلها... 

*أتَرَاها مثل هذا الكأس الممتلئ الطافح الراشح... كلُّه خير في خير؟ 

*أم تُراها أشبه ما يكون بهذا الكوب الفارغ، المقلوب، الثرثار، المنتكس؟ 

*أم أنك، مثلَ الكثيرين من أبناء جلدتك، تصوِّرها "نصفا فارغا، وآخر أسود"؟ 

- ارتسمت على شفاه الأمِّ الحنون بسمةٌ موثوقة ببحار المعنى، صدَّاحة بالحقِّ وبالصدق، رغم كيد الأعادي وظلم العوادي، فقالت في هدوء:

*أيها القدر الحكيم، جزائرنا ليست "خيرا محضا"، ولا "شرا محضا"... ولا هي "فراغ على سواد"... 

جزائرنا، بحول الله، وبحمد الله، مثل جميع أرض الله: شطرٌ أبيض وآخر أسود، نصفٌ عامر ونصف آخر شاغر... فيها خير، وفيها غير... تحزن وتفرح... يوم بيوم... ساعة بساعة...  

ثم تلى البلبل الماكث غير بعيد قول الله تعالى: "لا تقنطوا من رحمة الله"، "ولا تيأسوا من روح الله"... وصمت هنيهة، فاستذكر قول العزيز الكريم، في حديثه القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي ما شاء".

*سأل القدر اللطيف، بصوته المبحوح: 

"إن كان ذلك كذلك، فلم إذن تسوِّدون وجه أمِّكم، ولم تلطّخون بفحش القول جبين جزائركم... حتى غدت في العالمين عنوانا للشقاء والتفاهة، ورمزا للفساد والسفاهة؟" 

- نطق الشيخ الكتوم بعد لأْيٍ ومشقَّة، وقال بدارجة جزائرية قحـــَّة، ما نترجمه إلى الفصحى بما يلي:

*إن سركم أن تعرفوا حقيقة هذا البلد فانظروا إلى تجاعيد وجهي، وإلى قسمات جبهتي... ففيها يرتسم تاريخ تليد عتيد، وفيها شفرة شعب وبلد عنيد.... لولا الأمل، ولولا الرجاء، ولولا الحلم... لكان اليوم ركاما على أنقاض التاريخ، ولكان رقما