الخبيرة المعمارية.... الحالمة بترميم الأقصى

الاسم: نعيمة

اللّقب: بن كاري

تاريخ ومكان الميلاد: 15 أوت 1970م بسطيف، الجزائر.

 

"حلمي لوطني؛ حلمي لأمتي؛ أن أزور فلسطين وأن أقف على مشاهدها التراثية، ورغم أنّي أعرفها جيدا من خلال الكتب إلا أنني أتوق إلى زيارتها وإعادة ترميمها وإرجاعها إلى حلّتها الأصلية، علّها تُرمّم هذه النفوس الجريحة... ".

الميلاد وملامح أسريّة:

في الخامس عشر من شهر أوت سنة ألف وتسعمائة وسبعون ولدت للسيّد "أحمد بن كاري" والسيّدة: "فاطمة الزهراء كوسيم" الطفلة "نعيمة" وهي الثّالثة ترتيبًا بين إخوتها، فيكبرها كلّ من "سهام" بستّ سنوات، و"الطاهر" بسنتين، ولتأتي أخيرًا وبعد ثلاث سنوات من ميلاد "نعيمة" الأخت الصّغرى: "هادية" آخر أبناء الأسرة الطيّبة.

"أختي الكبرى "سهام بن كاري" هي الآن محلّ والديْنا اللّذين قد توفّاهما اللّه تعالى؛ بل وحتّى محلّ الجدّ والجدّة –رحمهمُ اللّه جميعًا وشملهم برحمته الواسعة-".

            ترعرعت الطّفلة "نعيمة" بين أحضان أسرة حازمة ومنضبطة، ثريّة الفكر، وبعيدة النّظر تحاول وتسعى بشتّى الطّرق لضمان وسط ملائم تكبرُ فيه وتتعرّف من خلاله إلى العالم من حولها، فوالدها لاعب كرة القدم في وفاق سطيف والشّهير بلقب "رشيد كازيما" وصاحب الهدفين في كأس الجمهورية عام 1965م، كان مسؤولًا ومثابرًا ومكافحا لأجل النجاح ولا يغمض له جفن حتّى إذا ما تأكّد واطمئنّ لاكتفاء أبنائه من حاجتهم إليه على كلّ صعيد فلم يكن والدا آمرًا ناهيًا فحسب بل كان مرافقًا موجّهًا وناصحًا.

"كان مسؤولاً ومثابراً ومكافحا لأجل النجاح ولا يغمض له جفن حتّى يتأكّد ويطمئنّ اكتفاء أبنائه من حاجتهم إليه على كلّ صعيد؛ فلم يكن الوالد الآمر الناهي فحسب، بل كان المرافق والموجه، والناصح الأمين".

أمّا والدتها السيّدة "فاطمة الزّهراء كوسيم" فقد كانت هادئة جدّا وحكيمة جدّا وصامتة في طبعها، فورثتْ منها التأمّل في ظروف الحياة بشقّيْها السّعيدة منها والمتوسّطة لأخذ العبرة، فكانت هي الّتي تجمع أفراد العائلة الصّغيرة وكذا أفراد العائلة الكبيرة، لتكون بذلك القطب الّذي يمتصّ كلّ الشّحنات السّالبة الّتي قد تعتريها بفعل أحداث الحياة وتقلّباتها.

"حاليًا وأنا أمّ؛ أحاول محاكاة أمّي واستحضار أسلوبها وتجاربها الّتي علّمتني كثيرًا، أنا أحاول أن أكون مثلها وأسعى جاهدة لتربيّة أبنائي وفق هذا الزّمن ومتطلّباته، ووفق النّموذج السّليم الّذي أنشأتْني عليه والدتي".

حرِصَ الوالد على أن تعيش الأسرة في جوّ من التعلّم والاستمتاع فكان خروجها للتنزّه في نهاية الأسبوع أو في العطل الصيفيّة أمرٌ إلزاميّ وبرنامج دوريّ لتغيير الروتين لا يحيد عنه حتّى وهو في عزّ انشغاله وكثرة ارتباطه ومسؤوليّاته في العمل وفي الوفاق، وكان لهذا الحرص الأثر الكبير في تبلور شخصيّة "نعيمة" الفتاة، وتوسيع آفاقها وصقل قدراتها الفتيّة الوليدة. لا سيّما وأنه كان يعطي لأبنائه حريّة اختيار المكان مكافأة لهم إذا اجتهدوا وقدموا نتائج مرضية خلال العام الدراسيّ.

"حرص والدي على أخذنا لرحلات إلى عديد ولايات الوطن وتونس حتّى عندما مرض في أواخر حياته بـ: Le pied de footballeur، وكنّا من بين العائلات الأولى الّتي كانت تزور تونس للاصطياف".

"نعيمة" و"الطاهر" الخطوات الأولى:            

كبرتِ الفتاة "نعيمة" مع أخيها الطاهر وكأنّهما توأم واحد لاقترابهما الشديد وهما كذلك إلى الوقت الرّاهن رغم الافتراق الجغرافيّ فقد بقيا توأمًا واحدًا في النّفس والأفكار والمبادئ كيف لا وهي قد عاشت جلّ حياتها الأولى مع أخيها "الطاهر".

تَشارك كلّ من "الطاهر"، "نعيمة" و"هادية" نفس المدرسة الابتدائية، فكان "الطّاهر" يتوجّه إلى "ابتدائية عميرة ذكور" بينما تتوجّه أختيْه إلى "عميرة إناث" (إبتدائية بوقصة محمد حاليا).

تمتّعت "نعيمة" بطفولتها لعبا ومرحا مع إخوتها ومع صديقاتها في الحيّ، فبعد المدرسة يتجهون مباشرة إلى الشّارع وقد كان مفروشا بالقمح الذي ينمو على الجوانب فيَجْرُون ويمرحون على المروج وكانت عادات اللعب للأطفال في زمن نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات أنّ لكل فصل ألعاب مخصّصة، ولوقت المدرسة لعب مخصص في فنائها وخارجها، وخلال عطلة الصيف وبهذا كلّه اتّسمت حياة "نعيمة بالتّرتيب والغنى سواء في البيت أو في المدرسة أو في الشّارع.

صديقاتُ الحيّ، مصدر تعلمّ آخر:

حظِيَتْ الفتاة "نعيمة" الشّغوفة والمحبّة للتعلّم والمرح بصديقات كثيرات كن جارات وزميلات دراسة بحكم قرب المدرسة من الحي الّذي تسكنّ فيه، من أبرزهنّ: "صونيا صديق"، "سلوى بوخريصة" وهي ابنة أخ سعيد بوخريصة الشّهيد بسطيف، "نسيمة خرشي"، وكنّ يسكنّ في نفس العمارة في حي La pinede العريق المسمّى حاليًا بحيّ "الأمير عبد القادر" في سطيف.

إضافة إلى "أمال زرقين" التي اختارت دراسة المعمار معها لاحقا، و"أوساسي ليندة"، "بن عبيد أميرة"، و"سمية سعدي" وأولاد أعمامها وبناتهم.

         وفي القرب أيضا ابن الخال "منير كوسيم" الّذي تربّت معه "نعيمة" كأخ لها، وهو ابن "مسعود كوسيم" الّذي كان أيضًا لاعبًا في وفاق سطيف.

"كانت مرحلة الصغر ثريّة جدّا، تعلّمتُ فيها الكثير، واكتسابي لعلاقات صداقة عديدة جعلني منطلقةً ومنفتحةً على العالم، لقد أشبعتُ فضولي على نحوٍ ما".

حظيت الطّفلة النّشيطة: "نعيمة" وإخوتها بوجود حديقة قريبة من المنزل وهي حديقة "الأمير عبد القادر" من الفترة الاستعمارية، وقد زُيّنت بمعالم رومانيّة وبصخور منقوشة من العهد الرّوماني، كانت نعيمة تذهب مع صديقاتها أو مع الوالدة أحيانا والجدّة خصوصّا فتجذبها الورود الجميلة ورائحتها الزكيّة وألوانها الزاهية، وهذا أول انطباع لنعيمة حول الحديقة، ولاتزال تتذكّر هياكل الصّخور والنّقوش والتّيجان الرومانيّة الكبيرة الّتي حاولت فهمها وفكّ طلاسمها حيث تبدو أنّها غير طبيعيّة ولا منطقية ولم تستطع فهم ذلك أو فهم مصدرها إلاّ بعد التحاقها بمعهد العمارة؛ فاستطاعت بناء مفاهيم حول لغة الصّخور.

ومع ذلك وبالرغم من صغر سنّها فقد حاولت فكّ الألغاز وفهم كلّ ما تلمحه في هذا الشأن، وعندما درست مرحلة الابتدائي بقي فضولها متّقدا فهي تعرف الأحرف العربيّة والفرنسيّة لكن أيّا منها لم يساعدها في تفسير النّقوش الّتي رأتها، ومع خيالها الشاسع اعتقدت أنّ أشخاصًا ما من خارج الكوكب قَدِموا بتلك النقوش إلى الأرض، وهذه أساطير وتخيّلات راودت خاطرها الذكيّ.

وبالإضافة لحديقة الأمير كانت "نعيمة" تعلب في حديقة أخرى تقع وراء "عين الدروج"، وهي حديقة عمل عليها المخطّط الفرنسيّ على آثار الحمّامات الرومانيّة les baines romaines  وهي أصغر من السابقة، يلعب فيها الأطفال عندما يتمّ طردهم من الحديقة الأولى، وهي أيضًا تحوي بعض الآثار الرومانيّة، وكانت وتتميز بجمال أزهارها خاصة في فصل الرّبيع.

"من القواعد الّتي ينادي بها المعماريّون، أن تتوفّر في المناطق السكنيّة -ولابدّ-مواقع خضراء وحدائق للأطفال لكي يترعرعوا في حضن الطّبيعة ويستشعروا مكامنها وإن كانوا في قلب المدينة المحاطة بالإسمنت والحداثة".

نحو الابتدائيّة، بدءُ الطّريق:

التحقت "نعيمة" بمرحلة الابتدائيّ سنة 1975م في سنّ الخامسة وكانت الفكرة حينها أنّ "نعيمة" تتمتّع بنشاط وذكاء كبيريْن لذا قرّر الوالدان تسجيل ابنتهما لتبدأ الدراسة، حيث ستقعُد نعيمة المليئة بالحركة والمفعمة بالطّاقة لثلاث ساعات دون حراك، تستمع إلى المعلّم وهو يحاول تدريبها وتلقينها أهمّ المبادئ والمفاهيم، لذا كانت الأيام الأولى صعبة جدّا على فتاة مثلها وعلى الوالدين، ورفضت "نعيمة" رفضًا تامًّا الذّهاب إلى المدرسة والجلوس لساعات طويلة على طاولة التلقي، وحاول والدها مرات عديدة إقناعها بالالتحاق ومكافئتها إذا التزمت بالذّهاب. فتعب الوالدان أيّما تعب في مرافقتها طيلة السّنة الأولى.

"كنتُ طفلة حرّة، أحبّ اللّعب وأقدّسُ حريّتي وشعرتُ بأنّ المدرسة قيّدَتْني جدّا وبالرّغم من أنّي لم أكن أراجع دروسي بالشّكل الكافي فقد كنتُ دومًا من الأوائل في التّحصيل".

ومن الإطار التربوي الذي أشرف عليها في المرحلة الابتدائيّة: مديرة المدرسة الأستاذة "علواني" -رحمها اللّه- بشخصيّتها القويّة، وحضورها واستقامتها وصرامتها، وأستاذَا  اللغة الفرنسية "بوفجي" و"بلحسين"، وكذا الأساتذة: "بوعكاز" و"بن مومن"، و"بن عطاف" وغيرهم كثير.

لمّا أقبلت على اجتياز الامتحان في سنة 1981م قدّمت لها والدتُها المسطرة التي استعملتها أختها سهام في امتحانها، للتفاؤل والاستبشار بالخير، ويوم إعلان  النتائج كان مدير المدرسة يعلن أسماء الناجحين من شبّاك نافذة المدرسة، ولم تكن نعيمة وعائلتها في المكان إلا بعد إخبارهم من أحد الجيران الذي كان مارّا من طريق المدرسة، وطبعا لم تسمع نعيمة لكل أسماء الناجحين من البداية، فظنت أنها قد رسبت عندما لم يعلن عن اسمها، فعادت خائبة تتساءل عن السبب، فلحقتها زغاريد التهاني بنجاحها ضمن الأوائل.

"في سنوات الخامسة والسّادسة خصوصًا كان وقتي مكتظّا أحاول صرفه فيما يُفيد، فمن الثامنة إلى العاشرة صباحا دراسة، ومن العاشرة إلى الثانية عشر: تمارين تدريبيّة في كرة السلّة، ومن الثانية عشر إلى الثانية مساء أعود للدراسة ثانيةً، ومن الثّانية إلى الرابعة مساء ألعب كرة الطّائرة، لأستطيع بعد ذلك أخذ قسطي من الرّاحة من يومي الحافل".

مرحلة المتوسّط، مسار جديد:

التحقتْ التلميذة "نعيمة بن كاري" بمتوسّطة "المعدومين الخمسة" سنة 1981م، وقد شكّل اسم المؤسسة وقعا كبيرا على نفسها إلى اليوم، لقد صعب عليها في البداية التأقلم مع النظام الدراسي المختلف عن الابتدائية؛ أساتذة ومواد وساعات، فاحتاجت إلى وقت للتأقلم.

وبعد مثابرة واجتهاد تحصّلت على أوّل تهنئة في المتوسطة فتحت لها الأبواب لتهاني متتالية، فدام الأمر كذلك في كلّ فصلٍ وفي كلّ سنة، بالمرافقة الحكيمة من العائلة.

بعد أربع سنوات من الكدّ والاجتهاد وصلت الطّالبة "نعيمة" إلى مرحلة اجتياز شهادة التّعليم المتوسّط، فأتمّت المرحلة بنجاح وتفوّق عام 1985م.

ولا تزال تذكر إلى اليوم أساتذة المرحلة: في مادة الإجتماعيات "زيغم" و"محدادي"، وفي اللّغة الفرنسيّة "لزبيري"، وفي اللغة العربية: برتيل.

... مع اسم المؤسّسة تشكّل لديّ الحافز الوطنيّ واحترامي للشّهداء والمجاهدين والثّورة الجزائريّة الّتي كانت ولا تزال درسًا يتعلّم منه العالم، أحببتُ التّاريخ جدًّا وحتى عندما درستُ العمارة أحببتُ العمارة التاريخيّة والتراثيّة، وأعتقد أن كل ذلك متعلق بالسّنوات الأولى في الدراسة".

في الثّانويّة، حيثُ ملامح الطّريق:

في عام 1985م انضمّت نعيمة لثانوية "المعزّ لدين الله الفاطمي" في شعبة الرياضيات، وقد لفتها أيضا اسم الثّانوية وبقيت تحمله إلى أن أصبحت تدرّس العمارة الفاطميّة وما بُنيَ تحت إمارة "المعزّ لدين الله الفاطميّ".

وبالرّغم من أنّها اختارت دراسة الرياضيات فقد بقي شغف الأستاذة: "نعيمة بن كاري" متّقدًا فيما يتعلّق بالاجتماعيّات واللّغات ولم تُغفل تركيزها عن تلك المواد أيضًا.

شهدتِ الجزائر في عام 1986م بوادر التغيّر السياسي الّذي أسفرت عنه اضرابات في مختلف القطاعات، ومظاهرات في سنة 1988م فكانت سببا لتذبذب برنامج الدّراسة الثّانويّة، لذا كانت ظروف السنتين الأخيرتين من الثانوية صعبة، ولم تتمكّن "نعيمة" من دراسة المقرّر كاملًا، مما تعيّن عليها أن تكثّف جهودها وتدرس لوحدها في سنة البكالوريا مع زملائها،

اعتمدت على نفسها وعلى أخيها الأكبر، فوضعت برنامجا خاصّا لاستكمال الدروس قبل الشهادة، وكانت تراجع خلال الصيف في شرفة البيت لئلّا تزعج الوالد حين مجيئه من عمله لأخذ قيلولته.

تحصّلت نعيمة على البكالوريا صائفة عام 1988م، وتلقّتْ الخبر عن طريق الهاتف بتقدير "جيد جدا"، وكانت من بين الطّلبة القلائل الّذين نجحوا، إذ أنّ عددهم لم يتجاوز عشرة طلاب بالرّغم من وجود قسمين لشعبة الرياضيات آنذاك. 

 "أعتبرُ موسم البكالوريا مرحلة بداية الاعتماد على النفس، وفاتحة التّحضير للمرحلة الجامعيّة".

على عتبات الجامعة:

بعد البكالوريا، التحقت الطالبة "بن كاري" بالجامعة فكان اختيارها للتخصص صعبًا؛ فحسب علاماتها كانت كل التخصصات مفتوحة أمامها، ولأنّ والدها ومنذ مرحلة المتوسط زرع فيها روح الطموح؛ فإنّها أمّلت أن تصبح أول امرأة تصعد إلى القمر.

"قال لها والدها ذات مرة: "يجب أن تكون أهدافك وطموحك أكبر بكثير مما تتصورين"... فأجابت: حتى أن أصل إلى القمر؛ فرد عليها: "لم لا تصبحين أول امرأة تصعد إلى القمر"".                           

  اجتازت الطالبة "بن كاري" مسابقة في جميع التخصصات، فقد كانت ضروريّة من أجل الالتحاق بالجامعة؛ فنجحت في جميع المجالات من بينها "العلوم الدقيقة، البيولوجيا، الهندسة المعمارية، وغيرها..."، لتختار بعدها تخصص الهندسة المعمارية لعدم معرفتها بهذا التخصص.

بداياتها في التخصّص كانت صعبة جدّا وشكّلت صدمة بالنسبة لها لأنها تدرّبت من قبل على التفكير التجريدي والتخيل النظري، فكان من الصعب عليها تدريب مخيلتها من جديد على أن يكون لها امتداد حقيقي، وكانت مواد التصميم والتخيل والرسم من أصعب المواد في مقرر السنة الأولى في جامعة "فرحات عباس"؛ وهي التي تحب المنافسة وترغب في التفوق، فكانت لا تنام الليل للتدرب على الرسم بهدف تصغير الفارق بينها وبين زملائها المتخرجين من معهد الرسوم التقنية.

في السّنة الموالية انتقلت إلى "معهد الأشغال العموميّة" (معهد البصريات حاليا) القريب من منزلها لمواصلة دراسة التخصّص، بعدما تمّ فصله عن التخصصات الأخرى الموجودة في الحرم الجامعيّ، واستطاعت أن تتأقلم مع الجوّ الجديد أكثر من سابقه، فقضت الباحثة خمس سنوات بالمعهد، وكان من بين أساتذتها: "د. جميلي" و"د. بلّال" والبروفيسور: "زغلاش" والأستاذ "سعيد مداني"، وكذلك الأستاذ "شوادرة" والأستاذ "يايسي" الذي درسها التاريخ النقدي للعمارة، وبفضله تألقت في تدريسه اليوم.

أمّا عن زميلاتها اللائي رافقنها في المرحلة: أ. صليحة لعمش، و أ.كريمة راشدي، وجارتها أ. آمال زرقين، وأ.كريمة عرفة، هذه الأخيرة التي كانت تدرّسهم وتتابعهم في تطوير فكرهم وإطْلاعهم على آخر الاكتشافات والنقاشات حول حقول العمارة، إضافة إلى أ. آمال بن سمرة، مدربتها في المواد التطبيقيّة كـالتاريخ النقديّ للعمارة، وتصميم العمارة، وغيرها.

 وإلى جانب ذلك فقد تعرّفت إلى زملاء كثر خلال مسارها، منهم الدّكتور "أسامة خرشي"، والدكتور: "نذير علي خوجة"، فكانوا فريقًا متناسقًا يتضمّن الإناث والذكور عملوا معًا خصوصًا عندما درسوا السّنة الثّالثة على يد البروفيسور: "حمزة زغلاش"، والبروفيسور "خمال – رحمه اللّه-"، والبروفيسور "شوادرة"، الذين زرعوا فيها وفي زملائها حبّ التخصّص والاهتمام به وبالبحث العلميّ، فهم من الأساتذة الذين يؤمنون بتدريس تخصص العمارة في قلب المباني والمنشآت المعماريّة.

عملت الدّكتورة "نعيمة بن كاري" رفقة أصدقائها الأساتذة "صليحة لعمش، وكريمة راشدي، وأسامة خرشي ونذير علي خوجة" خارج أعمال الدراسة في إنشاء ورشة توثيقيّة لدراسة "بيوت القبائل" في قرية بتيزي وزو، بعد تشجيع أساتذتها، فقامت الباحثة بإعداد أوّل ورقة علميّة منذ بداية مسارها الأكاديميّ، الّتي حبّبتها في العمارة والبحث العلمي. ممّا جعلها تشارك رفقة فريقها بإشراف الأستاذ "زغلاش" في مؤتمر دوليّ انعقد في جامعة "البليدة".

"تُعتبر كأوّل ورقة علميّة مقبولة بالنسبة لي، ومن خلالها تحصّلت لأول مرّة على تذكرة طائرة دوليّة، وهي الفرصة الأولى لركوبي في الطائرة".

"من خلال الورشة التوثيقيّة تعلّمتُ كيف أتعامل مع طلابي، وتمكنت من معرفة ما يحب الطالب في الدراسة، وهي دراسة العمارة عن طريق الممارسة والملاحظة المباشرة ... وإلى يومنا هذا ما زلت أمارسها مع طلابي".

مشروع التخرج وعلاقته بمنطقة "وادي ميزاب":

أثناء تدرّجها في التعليم الجامعي وفي السّنة الرّابعة سافرت الأستاذة: "بن كاري" ضمن برنامج الجامعة رفقة بعض الطّلبة إلى منطقة "وادي مزاب" بغرداية، وهي منطقة تراثيّة وإنسانها هو من بنى عمارتَها بنفسه، أينَ بدأت في دراسة هذا البعد الإنساني للعمارة فقد انبهرت بها أشدّ انبهار، ممّا جعلها تركز عليها منذ ذلك الوقت. وكان دليل رحلتها "كتاب مزاب درس في العمارة" Le M'Zab, une leçon d'architecture" من تأليف الأستاذ المهندس المعماريّ "أندري رفيرو André Ravéreau.".

في السّنة الخامسة وفي فترة اختيار مشروع التخرّج لمرحلة الماجستير، تطرّقت الباحثة لفكرة إعادة تأهيل أحد الأحياء السكنيّة في مدينة غرداية وبالضّبط في "حي المجاهدين" الّذي كان يلقب من قبل بـ "حي اليهود".

 تلقّت في تلك الفترة العديد من المساعدات من طرف ديوان حماية وتثمين سهل وادي ميزاب (OPVM) «Office de Protection et de Promotion de la Vallée du M'zab" من خلال تأطيرها رفقة بعض الطلبة وإعطائهم كامل المعلومات للقيام بالعمل الميدانيّ المهنيّ، وانقسم المشروع إلى جزئين، فالجزء الأول دراسة نظريّة أمّا الجزء الثّاني فهو عبارة عن تصميم استشرافي تصوّري للمنطقة في المستقبل.

"الحمد للّه، كل هذا بفضل الله وتوفيقه وكرمه، واستجابة لدعائي ودعاء والدايّ –رحمهم اللّه- لطالما أمّلوا في أن أكون من المتفوّقات في الدّفعة".

بعد خمس سنوات من الاجتهاد والمثابرة المتواصليْن، تحصّلت الباحثة "نعيمة بن كاري" على شهادة مهندس دولة (ليسانس) في جوان 1993م من جامعة "فرحات عباس" حول موضوع منطقة "مزاب"، وتُعتبر أوّل طالبة حصلت على أعلى معدل في قسم الهندسة المعماريّة مع أفضل مشروع في الدفعة.

الدراسة في الخارج، نافذة على التميّز:

أرادتِ الباحثة المتطلّعة للجديد "نعيمة بن كاري" إكمال دراساتها العليا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لكونه بلدًا متقدّمًا ومتطورًا، وبالإضافة إلى وجود أحد أقاربها الدارسين في مجال الهندسة المعماريّة بـ MIT، هذه الأسباب جعلتها تخطّط لنيل شهادة الليسانس بالرتبة الأولى من أجل الحصول على منحة دراسية من الدولة.

وفي سنة 1993م وبسبب ظروف الجزائر حينها حُجِبت المنحة ولم تتلق أيّ شيء من الجامعة لمتابعة دراستها رغم أنها أصرّت على الذهاب لبلد آخر للاطلاع على العلوم، ومن جهة أخرى بسبب الظروف الصعبة التي كانت تمرّ بها البلاد في تلك الفترة.

قرّرت الباحثة مواصلة دراستها بفرنسا بعد موافقة والديها، وذلك بالعيش عند أحد أقاربها بـ "ليون"، فتكفّل والدها بكامل نفقاتها الدراسيّة، في مدرسة العمارة في غرونوبل" GRENOBLE "وجامعة نانت "NANTES".


لا أنسى لوالدي ولحرصه على مواصلة تعلمي ولإلحاحي على النجاح في مساري العلمي، باع سيارته الخاصة للتكفل بمصاريف دراستي في فرنسا، فكان الدّافع القوي للنجاح في مساري إلى اليوم

 في شتاء سنة 1993م درست على يد البروفيسور الفرنسي "فينونت"، ثمّ انضمّت إلى المجال التقني لدراسة الصّوت والذّبذبات الصوتيّة في إطار الدراسات المعمارية، لتقرر حينها الأستاذة إنهاء الدراسة النظريّة ومشروع التخرج في سنة واحدة من أجل تخفيف تكاليف الدراسة على والديها.

 

  اضطُرّت الباحثة إلى تغيير عنوان مذكّرة الماجيستر من: "دراسة الهويّة الصّوتيّة للمدينة المزابيّة" إلى: "دراسة الهويّة الصوتية لأماكن التسوّق المغلقة بفرنسا"، وذلك بسبب ظروف الوطن الّتي لم تسمح لها بالتنقّل رفقة أستاذها الفرنسيّ لأخذ القياسات ومتابعة الدراسات بمنطقة مزاب، ورغم كلّ ذلك بقيت الباحثة مرتبطة بموضوع المدينة الميزابية والمدينة الإسلاميّة بصفة عامة.

بعد تحصلها على شهادة الماجيستر (D.E.A) في جوان 1994م، عزمت الباحثة على القيام بدراسة ما بعد التخرج للمرة الثانية في "مهن التاريخ" لكونها مرتبطة بالتاريخ منذ أن درسته في الثانوية. فركّزت في مشروعها على "تاريخ عمارة وادي مزاب" مما جعلها تتوسّع فيه بداية من دخول مذهب الإباضية إلى يومنا هذا، وتحصلت على شهادة C.E.A بإشراف الأستاذ " Jean-Claude Golvin .

زواج الدكتورة بن كاري:

 من الصعب على المرأة أن تفكر في موضوع الزواج والعائلة بعد ولوج عالم البحث ومتطلباته، فيصعب التركيز على الأمرين كما تشير الأستاذة "بن كاري"، ومع ذلك فقد كانت منفتحة على فكرة الزواج لو أرادها القدر وأتمّها، ففي 1997م تمت استضافتها في معهد التراث في تونس لتقديم سلسلة محاضرات في الهندسة المعمارية لمهندسين متخصصين في الترميم وفي إدارة التراث، وقبل أن تذهب كان لها زميل من تونس درست معه الماجستير قدم لها السيد بوديداح الذي هو صديق قديم له وقال لها بأنها ستلتقي به في الورشة ولربما كان بينهما مشروع زواج، وقال نفس الكلام لصديقه، وبالفعل استقبلها المهندس محسن بكل حفاوة.

"أنعم الله عليّ بزوج متكامل فلم يكن فقط متفهما لظروفي وانشغالي وشغفي بالبحث بل وكان يثقّفني في الدين فثقافته الدينيّة أعمق بكثير من ثقافتي، ففتح لي مجالًا آخر في الثقافة في الدين والتعامل على أساس الإسلام الحق، ولم يغتنم فرصة جهلي ليكون فظّا في تعامله، بل فتح لي كلّ الأبواب، وساعدني لأعيش في اطمئنان واتّزان".

كان زوج الأستاذة: "بن كاري نعيمة" الدكتور: "محسن بوديداح" منغمسا ومهتما بالفن، يحب الرسم ويطلق فيه خياله بشكل كامل، يعشق خلوته للرسم وللذكر والمزج بينهما، فيمارس ما كان يمارسه النقاشون والفنانون في العهود الإسلامية، حيث حسب الكتب والمقالات المتخصصة أنه من الصعب على الفنان المسلم أن يغلف مساحة عظيمة من قبة أو من جدار بقدراته الإنسانية وفقط، فقد كان يدخل في حالة ذكر وعرفان يتمكن فيها من الصبر لتكوين الأشكال بتلك الدقة وبذلك الكِبَر. وكان الدكتور "محسن" ينقطع تماما عن العالم الخارجيّ حين يهمّ في إنتاج أفكاره وممارسة شغفه. وقد أثّر ذلك جدا على ابنتهما "زهراء" فيما بعد فأخذت عنه شغفه في الرسم.

منذ عام  1980م اعتادت الدكتورة "بن كاري" زيارة تونس في العطلة الصيفية رفقة عائلتها، وقد زارت "بن كاري" تقريبا جميع أنحاء تونس، والشعب الجزائري شقيق للشعب التونسي فلم تجد الدكتورة بن كاري صعوبة في الزواج من رجل تونسي، كما كانت معجبة بالتاريخ الإسلامي في تونس وبالخصوص في مدينة القيروان كأول مدينة إسلامية، وربما كانت كل هذه المعطيات مقدمات لتتزوج من رجل تونسي ومن مدينة القيروان تحديدا.

 لم تكن بينهما اختلافات ثقافية بقدر ما كانت هناك اختلافات شخصية ليس مردها اختلاف البلدين بل اختلاف الميول والتوجهات. فكان هناك تجانس وتناسق وتكامل بينهما بين الثقافة التونسية والثقافة الجزائرية بحيث شكّلا مزيجا غنيا من الثقافتين تم توريثه إلى ولديهِما "الزّهراء" و"هذيلي" فيما بعد وقد أثمر ثمارا جيدة، فكان من السهل عليهما أن يتأقلما مع أناس جدد وثقافات مختلفة، كونهما عاشا ازدواج الثقافة وأخذا غنى الثقافتين من كلا البلدين.

"تبادلنا أنا وزوجي كل الأمثال والألفاظ التونسية والجزائرية، إلى درجة الامتزاج، فأحيانا أسأل زوجي عن مثل إن كان تونسيّا أو جزائريّا فأجده قد نسي ذلك، فخلقنا بذلك ثقافتنا المشتركة في البيت".

بين تونس وفرنسا:

عاشت الدّكتورة "بن كاري" لمدّة سنتين في صفاقس بعد زواجها حيث كان زوجها المهندس المعماريّ مختصّا في الترميم ضمن جمعية صيانة مدينة صفاقس التّابعة لوزارة التراث والثقافة، بينما كانت هي تدرّس أنساق العمارة الداخليّة في المعهد العاليّ للفنون الجميلة ولظروف إتمام الدكتوراه اضطرّت للسّفر إلى فرنسا عام 2002م وبالضبط إلى مدينة "تور" أين أكملت إعداد رسالتها عن بعد مع جامعة "غرونوبل" بينما باشر زوجها محسن دراساته لما بعد التخرج الـ DEA والدكتوراه.

خلال فترة إقامة الدكتورة "بن كاري" في فرنسا لم تكن تعمل ولا حتى زوجها، وكانا على مقربة من خطّ الفقر، أو حتّى تحت مستوى الفقر المحدّد في فرنسا رغم توفّر الإعانات الخاصّة بالطّلبة، إلّا أنّ الظّروف الماديّة كانت صعبة للغاية، لكن في نفس الوقت كانا يعيشان ذلك بذكاء فالأولويات مختلفة فلم يكونا يريدان أن يكون بيتهما هو الأحسن تأثيثا ولباسهما من أفضل الماركات العالميّة، بل كانت أولويتهما البيئة العائليّة المريحة والآمنة.

لطالما آمنت الدكتورة "بن كاري" بأهمية الحدائق للأطفال وقد اختارت هي وزوجها المجمّع السكنيّ الذي يتضمن أكبر حديقة؛ لذا حظيت "الزهراء" بطفولة سعيدة، ومن مبادئها اختيار السّكن وسط المدينة للتمكّن من التجوّل في المدينة القديمة والانتفاع من المكتبة والمتحف.

"الأولويات ليست في المظاهر والبهرجة الخارجية، بل في التربية واختيار البيئة المناسبة والمريحة لنمو الأطفال وتطورهم، بأن نذلّل لهم الظّروف ليكبروا في اتّزان وسلام، وينموا ذكائهم، ويصنعوا ذكريات جميلة".

مواقف وأحداث مرحلة الدكتوراه:

بعدما حازت الأستاذة "نعيمة بن كاري" على شهادة (C.E.A) سنة 1995م، نصحها زملاءها بخوض تجربة علميّة مع اليونسكو نظرا لاهتمامها بالتراث والعمارة، ممّا جعل الباحثة تتواصل مع أحد المسؤولين في اليونسكو القائمين على المنحة المقدّمة من طرف فنان ياباني، تقوم عليها اليونسكو وتسلمها لستة باحثين من جميع أنحاء العالم، بعد ما يتم تقديم موضوع وخطة وتكاليف البحث بالإضافة إلى النتائج المقترحة.

عملت الباحثة "بن كاري" على خطّة البحث بهدف الوصول إلى نتائج فعّالة بمساعدة الأستاذ «Jean-Claude Golvin»، ثمّ قدمتها للمسؤول في اليونسكو ليعرضها على المجموعة القائمة على المنحة، لتكون بعدها إحدى المستفيدات من امتيازاتها قبل أن تقوم بالتّسجيل في مرحلة الدكتوراه، وكان عليها أن تواصل العمل لصالح الهيئة كشرط مقابل حصولها على المنحة وبذلك كانت بداية تعاونها على التراث العُماني مع هيئة ICOMOS للمعالم والمواقع التاريخيّة.

سجّلت في مرحلة الدكتوراه سنة 1997م، واستطاعت أن تختار بنفسها موضوع البحث والأستاذ المشرف على الأطروحة والجامعة التي تدرس فيها، بالإضافة إلى الأساتذة المشرفين على تقييم البحث.

بعد سنتين من التّحضير لمشروع الدكتوراه، توجّهت إلى تونس لإتمامه وفي نفس الوقت بقيتْ على تواصل مع أساتذة جامعة «Pierre Mendès-France"، إلا أنّها تأخرت في تحضيرها لعملها أستاذا مساعدا في التصميم الداخلي في المعهد العالي للفنون الجميلة في مدينة "صفاقس" التونسيّة، وتعرّفتْ وتعاونتْ خلال هذه الفترة مع كوكبة من الفنّانين والمبدعين التونسيّين من بينهم الفنّانيْن التشكيليّيْن "نور الدين الهاني" و"منى الدوف" والمعماريّة: "هالة السلامي". كما تعرّفت عن طريق زوجها بالكاتب والفنّان الكبير الأستاذ: "عليّ اللواتي" والفنّان التشكيليّ والكاتب والمعماريّ القدير: "سمير مخلوف". هذا إلى جانب آخرين من صفوة الفكر والفنون والثقافة في تونس.

 قرّرت الباحثة التخلّي عن منصبها والعودة إلى فرنسا بهدف إنهاء مرحلة الدكتوراه، فانتقلت إلى مدينة "تور" لإتمام مرحلة الدكتوراه عن بعد، وكانت لها في هذه الفترة فرصة التعرّف على قامات كبيرة في البحث العلميّ في الميدان، منهم الفرنسيّيْن: "مارك لافيرن" (Mark Lavergne) و"ماريان باريكوند" (Marianne Barrucand) و"أندري ريمون" (Andre Raymond). وتجدر الإشارة إلى أنّ هاذيْن الأخيريْن كانا ضمن اللّجنة الّتي ناقشت رسالة الدكتوراه، وهما آخر قامتيْن علميّتيْن في العمارة والعمران الإسلاميّ في فرنسا.

في أثناء البحث، كانت لها عدّة مناقشات مع باحثين كبار آخرين من أمثال: "أوليغ غرابار" (Oleg Grabar) و"حكيم سليم بسيم" من أمريكا، وساهما عن بعد في توجيه أبحاثها وتصويبها إلى الأهداف الأكثر أهميّة، وقد تمّ ذلك في ظروف صعبة نظرًا لكون الأنترنت لا تزال في بداياتها ولم تتطوّر بعدُ لتصبح كما هي عليه الآن، ورغم ذلك فقد تعلّمتْ الكثير منهم ومن بحوثهم وتوجيهاتهم وتسديداتهم.

 ولمواصلة مشروع أطروحة الدكتوراه قررت الانعزال عن المجتمع والتفرغ الكامل مما جعلها تعود إلى أرض الوطن بسطيف سنة 2003م للمباشرة في كتابة الأطروحة التي استغرقت في تدوينها سنة كاملة.

"في فترة كتابتي لأطروحة الدكتوراه بسطيف، كنت أقوم لصلاة الفجر أصلي ثم أتوجه إلى مكتبي مباشرة لأشرع في  كتابة الأطروحة وأبقى معتكفة على العمل إلى غاية صلاة العشاء، لا أنقطع عنه إلا لتناول الوجبات مع العائلة والصلوات الخمس... دمتُ على هذا المنوال لمدة ثلاثة أشهر".

في فترة نهاية كتابة الأطروحة تفاقم مرض حماتها مما جعلها تسافر إلى تونس لزيارتها والاطمئنان عليها، لكن للأسف توفيت -رحمها الّله-، فاضطُرّت الدكتورة "بن كاري" للبقاء في تونس لتساند زوجها وعائلته، وبعد فترة العزاء انتقلت إلى مدينة "صفاقس" لإكمال كتابة أطروحتها، فأنهتها في شهر فيفري من سنة 2004م، لترسلها إلى مشرفها قصد مراجعتها فتمّ ذلك في أقلّ من أسبوع لدقة الباحثة وأسلوبها المتقدّم وتمكّنها البارع.

ناقشت العالِمة المتمرّسة: "بن كاري" أطروحتها بعنوان: "عمارة المساجد الإباضية في مزاب وجربة وعمان: قراءة في مبادئ التصميم والبناء" L’architecture des mosquées Ibadites au M’Zab, à Djerba et en Oman: Lecture des principes de conception et de construction " بمعهد العمران التابع لجامعة " Pierre Mendès-France – Grenoble 2" تحت إشراف الأستاذ الجزائري "نذير بومعزة" سنة 2004م، وحصلت على تقدير جيّد جدّا مع تهنئة لجنة المناقشة والتوصيّة بطباعة ونشر الرّسالة. وقد ناقشت أطروحتها في حضور بعض أصدقائها وغياب العائلة للأسف كونها في الجزائر وزوجها وابنتها في مدينة "تور".

بعد فترة وجيزة من حصولها على الدكتوراه غادرتْ فرنسا بسبب بعض المضايقات الّتي يمكن أن تتعرّض لها كلّ سيّدة مسلمة ملتزمة في فرنسا، فرغم شهادة الدكتوراه والحصول الرّسمي من اللجنة العليا للجامعات في فرنسا على درجة أستاذ محاضر، إلا أنّها لم تتمكّن من الحصول على عمل هناك.

مرحلة ما بعد الدكتوراه.. رحلة الإمارات:

 نصح الدكتور "حكيم بسيم" الدكتورة "بن كاري" بأن تغادر إلى دول الخليج للعمل لكون تخصصها متاح كثيراً في الجامعات الخليجيّة شريطة إتقان اللغة الإنجليزية، لتتعرف بعدها على الدكتور "مصطفى بن حموش" وهو حالياً أستاذ بجامعة البليدة والذي أكد لها وجوب إتقان اللّغة، وبقيت الباحثة لمدة سنة في فرنسا تتدرّب على إتقان اللّغة الإنجليزيّة.

         انقضت السنة التكوينيّة في اللغة الإنجليزية، فتواصل معها الدكتور" مصطفى بن حموش" لإعلامها بافتتاح "جامعة الحصن" بأبو ظبي، فحدّدت الباحثة مقابلة عمل عن بعد عبر الهاتف، وكان من حظها الالتحاق بالجامعة سنة 2006م كأستاذ مساعد في قسم العمران، وطُلب منها تأسيس أول برنامج في الهندسة المعماريّة في إمارة أبو ظبي.

 بقيت الباحثة في الإمارات لمدة ستّ سنوات، وشغلتْ مناصب مختلفة فكانت مسؤولة على إدارتين في الجامعة في نفس الوقت بالإضافة إلى التّدريس ورئاسة قسم الهندسة المعمارية، كما أشرفت على مشروع «City Skype» بتصميم الجناح مع مجموعة من الطلبة في التصميم والبناء للعمارة المستدامة بالتعاون مع مهندس معماري بمكتب التطوير العمراني، ليتم افتتاحه بعد استيعاب الطلبة لفكرة المشروع. ويُعتبر أول مشروع بالنسبة لطلبة قسم الهندسة المعمارية في تلك الدفعة.

شاركت في مؤتمر» Architecte Formas» وهو أوّل مؤتمر على مستوى دولة الإمارات إذ يجمع مدارس العمارة ومعاهدها لتبادل الأفكار مع الأساتذة والطلبة والباحثين.

"اقترح عليّ زوجي تعويض حافلة المدرسة بالنقل الذاتي لاغتنام الوقت للتواجد مع الأطفال والاحتكاك معهم في الطّريق من خلال الحوار أو قراءة كتاب، وفي نفس الفترة تعلّمت أن أحافظ أكثر على وقتي فكلّ ساعة كانت ثمينة جدا ويجب صرفها بحذر".

بداية من 2009م بدأت الأسرة تفكّر بشكل جديّ في البحث عن فرصة عمل أخرى ومغادرة الإمارات، فإضافة لانشغال الوالد والوالدة كان الأطفال في مجمّع محروس لا تفاعل لهم مع الطبيعة خلال الأسبوع، ولم يكن ممكنًا الخروج لوحدهم والمرح مع أصدقائهم، بل لم يكن لهم أصدقاء أصلا، ولم يكن صحيًّا من منظور الأستاذة العيش على ذلك النمط، لقد كان غياب استقلاليّة الحركة في الحيّ من بين الأسباب القويّة للمغادرة.

"كنتُ أبني نفسي وكان الطّلب عليّ في الجامعة يتزايد بشكل مستمرّ، لكنّ أسرتي كانت هي أولويّتي الأولى".

في عمان.. بلد الأصالة والعصرنة:

 قرّرت الباحثة أخيرًا الرّحيل مجدّدا رفقة عائلتها إلى عُمان وبداية مشوراها المهنيّ في خريف سنة 2012م في جامعة "السلطان قابوس" بقسم الهندسة المعماريّة والمدنيّة، ورغم كونها الدكتورة الثانية كامرأة إلا أنّها في أوّل يومها بالجامعة شعرت كأنّها في وسط عائليّ، فعملها بالجامعة كان سهلاً بالنسبة لها وخصوصًا لكون السكن في ذات المكان؛ مما جعلها تكون مطمئنة من جهة الأولاد والتدريس والمشاريع التي بدأت فيها فور وصولها.

"في عمان أشعر وكأنني في بلدي وبين أهلي، وهناك أناس كثيرون وراء نجاحي وإتمامي لأبحاثي".

كان الشعب العُماني ككل بكرمه ولطفه وتعاونه مرحّبًا وداعمًا للباحثة "بن كاري" لاستكمال مسارها، وقد قابلت العديد من العُمانيين، العلماء والناشطين الذي ساهموا في تكثيف معلوماتها لتصيغها فيما بعد في مقالات وأبحاث وأوراق علميّة منشورة.

"للدكتور "فرحات الجعبيري" أيضا فضل كبير عليّ من خلال توجيهه وربطي بعمان وتراثها،  والأستاذ الدكتور: "محمّد ناصر بوحجام"، وعدد هائل من الدكاترة والباحثين الّذين أثّروا ثقافتي حول التاريخ والعمارة في عمان".

جدّدت عضويّتها بـهيئة "ICOMOS جدّدت عضويّتها بـهيئة "ICOMOS"، ثم التحقت بصفة رسميّة كعضو خبير وذلك منذ 2016م، وتقلّدتْ "بن كاري نعيمة" العديد من المسؤوليّات على رأسها مديرة تطوير مباني الجامعة وعميدة شؤون الطلبة ورئيسة قسم الهندسة المعمارية في جامعة "السلطان قابوس"، وعملت على نقد مشروع الجامع الأعظم السّلطاني، والأوبرا السلطانية أو ما يسمّى بالعمارة السلطانيّة، بالإضافة إلى تعاونها المباشر مع وزارة التراث والسياحة بشتى إداراتها في ولايات السلطنة، وكذلك وزارة الإسكان والتخطيط لإتمام مشروعاتها المعماريّة المختلفة.

ذكري لانتمائي إلى "جامعة السلطان قابوس" أينما أحلّ يفتح لي الأبواب أمامي، وأنا كلّي امتنان لهذا التّعاون الهائل، والباحث مهما نبغ فهو يحتاج لمثل هذا الاحتضان فهو لا يستطيع تحقيق ما يصبو إليه ما لم تكن وراءه هيئات وأساتذة وجهات تذلل له الصعاب ليقوم بعمله على أكمل وجه".

         اطمأنت الأستاذة "بن كاري" هذه المرّة وفي حارات عمان على أبنائها، فمن المجمّع السّكني للأساتذة الذي كانت تعيش فيه في جامعة السلطان قابوس تستطيع مراقبة أطفالها وهم يتسلقون الشجر المقابل لبيتها، ويمرحون ويستكشفون، وبالرغم من كون الدكتورة خسرت منصبها وأصبح مركزها أقل في جامعة السلطان قابوس مقارنة بجامعة الإمارات، وحتّى المحيط العامّ فهو أقل رفاها من سابقه في دولة الإمارات إلّا أنّها كانت أكثر رضًا بوضعها وما وصلت إليه.

"حينها فقط شعرت أن أبنائي في مكانهم الصحيح والمثالي، فكانوا يكتشفون الحيوانات والحشرات ويتسلقون ويسقون ويجرون".

"هدفي هو أن تكون العائلة كفريق؛ ليس من أجل نجاح فرد واحد في الفريق بل لنجاح الفريق ككل؛ ومن أجل ضمان هذا النجاح يجب على أحد الأفراد في وقتٍ ما أن يتغاضى عن حقه لأجل الأفراد الآخرين"

الأسرة مبدأ ثابت لا يتبدّل:

اتّسم مبدأ الدكتورة في تربية الأبناء بالصرامة والوضوح والدقة فهي قد صممت على أن تربي أبناءها على المبادئ الإسلامية وأن تعلمهم كل ما يمكن أن يعينهم على خوض تجربتهم الحياتية الخاصّة مع الحرص الكامل على الانفتاح على العالم والثقافات المختلفة، وعلى مختلف الرياضات والنشاطات؛ فتعلم أبناؤها ركوب الخيل والسباحة والرسم والموسيقى والمسرح.

"عندما كانت الزهراء في الرابعة من عمرها وعندما لاحظ والدها قدرتها على الرسم، تمّ تحفيزها وتوفير كل الوسائل اللازمة لتعبر عن نفسها بالرسم والتلوين وتطور موهبتها الفتية، فنتج لها أوّل معرض شخصيّ صممته لوحدها في فرنسا، وكتبت علنه الصحف وهي بنت الرابعة والنصف أو الخامسة من عمرها".

تسلّلت قدرات الباحثة "بن كاري" من عالم الهندسة المعماريّة إلى عوالم التربيّة وإنشاء الأبناء على أحسن وجه، فداومت هي وزوجها على البحث وتتبّع آخر الاكتشافات المتعلّقة بالمجال، وكلّ ما ينشر حول تطوير دماغ الطفل من ناحية التغذية خلال الحمل أو بعده، فحاولت قدر المستطاع توفير ما يمكن أن يجعل أبناءها سالمين على جميع الأصعدة تربويًّا ونفسيّا وصحيّا واجتماعيّا.

منذ ميلاد الطفل يجب احترام برنامجه في النوم والأكل واللعب، والراحة اللاّزمة، والضوء، والأصوات. وقد سعت الدكتورة "بن كاري" دوما لبناء جدول المتابعة والحرص عليه بشدة، وهو فلسفة متجذّرة في فكر الأستاذة "بن كاري" في التربية كما أكّدت بأنّ كلّ هذه الالتزامات من شأنها أن تغذّي التفوّق المدرسي.

"قرّرت مع زوجي ومنذ زواجنا عدم إحضار التلفاز للبيت، بل كنا نختار نهاية كل أسبوع فيلما نشاهده جميعا عبر الكمبيوتر الشخصي، حتى الأنترنت لا وجود لها في البيت، وعند احتياجها للعمل كان لابد للانتقال إلى الجامعة لاستغلالها، وذلك لخلق جو هادئ في البيت".

تعتزّ الدكتورة بأصلها وبكونها من بلد الجزائر الأغرّ، فللعائلة زيارة سنويّة إلى مدينة سطيف وبالضبط عين الفوارة بسطيف والّتي انطلقت منها مظاهرات 08 ماي 1945م، فكانت من بين المبادئ التربوية التي تركز عليها الدكتورة تربية أبنائها على الاهتمام بالتاريخ وكذلك نفس الشيء لتونس وتاريخ تونس وعلمائها.

واسم ابنها "الهذيلي" هو من اسم أحد أجداده العالم القيرواني الّذي سمّي نسبة إلى قبيلة "بني هذيل" والّتي كانت تضمّ أوائل الصّحابة الّذين وصلوا إلى القيروان، وقد كان جدّه يرفع الآذان من صومعة جامع "عقبة بن نافع" في "القيروان"، فتمّ تأسيس فكر الأبناء على هذا السّياق.

"أحسبُ ولديّ "الزّهراء" و"الهديلي" راسخين في تاريخ بلديْهما".

أثّر تخصص الوالدين في مسار الأبناء واختياراتهم فكانت كل المواضيع المطروحة للنقاش تحوم حول العمارة والتخطيط، ورجائي كأم أن يكون التأثير إيجابيا، فالباحث والممارس في هذا الميدان من الصعب أن يفصله عن حياته اليومية والشخصية"، مثلا اختيار أماكن السفر في العطل، فأي برنامج سفر يجب أن تُخطّط له الأستاذة بصفة مسبقة وتحدد الأماكن التي على العائلة زيارتها، من هم المعماريون الذين بنوا المكان؟ ما هي البنايات التي تستحق الزيارة، المتاحف؟ المدن القديمة؟

"في اسطنبول أول مكان زرناه وأقمنا فيه كان في منطقة الفاتح وآيا صوفيا والجامع الأزرق، فكانت حياة أبنائي دائما تدور حول التراث والعمارة والعمران فهي تغذية لنا ولهما".

إنجازات لامعة في مسار الباحثة:

تعاونت مع دولة اليابان بعد أن تم اختيارها كخبيرة في «ICOMOS» من طرف بلدية "أوسكا" في مساعدة اللجنة القائمة على تحضير الملف رفقة خبيرين عالميين آخرين، وذلك بتقديم بعض التوجيهات لضبط الملف من أجل إدراج مقابر الأباطرة اليابانيين على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، وتم إدراجه في سنة 2018م.

توثيق أهمّ الحارات العمانية، وكان مشروعا مشتركا بين جامعة السلطان قابوس ووزارة التراث الثقافة سابقاً ووزارة التراث والسياحة حالياً وقد تم رصّد أكثر من ألف حارة تحتاج أن توثق، فمن خلال هذا المشروع تمّ اكتشاف الكثير من الحارات من بينها حارة "قصرى" في "الرستاق"، وتم بعدها نشر جميع مجلدات الحارات التي وُثّقت ثم جُمعت في كتاب نُشِر من طرف وزارة التراث سنة 2021م. ولا يزال المشروع مستمرًّا إلى يومنا هذا.

شاركت رفقة فريقها في جائزة الأمير "السلطان السليمان" في طبعته 2012م و2015م بمشروع توثيق الحارات العمانية، وفي كلتا الطبعتين توجت أعمالها بالنجاح فنالت الجائزة الثانية في سنة 2015م والجائزة الأولى في سنة 2022م.

نشرت العديد من المقالات العلمية وشاركت في العديد من اللقاءات الدولية.

حصلت على منحة داخلية من طرف كلية الهندسة المعمارية لـ "دراسة التهوية الطبيعية" فأنهت البحث بعدد من الأوراق العلمية، ثم قدمت مشروعها في شتى معارض البحث ومؤخرا حصلت على أعلى منحة في عمان في البحث العلمي وهي "منحة سامية لجلالة السلطان" للبحث عن مكونات السروج (مادة البناء) وكيفية تطويرها لاستعمالها مع مادة الإسمنت للبناء في العمارة الحديثة.

نشطت في "ICOMOS" والتحقت باللجان العلمية مما جعلها تشارك في عدد معتبر من الورشات لتكوين وتأطير القائمين على المواقع التراث العالمي ليس فقط في عمان بل في كل من إفريقيا ودول العالم.

شاركت أيضاً كخبيرة في زيارات ميدانية للمواقع المؤهلة أن تكون على لائحة اليونسكو، وذلك بتقديم تقرير تقيمي لهذه المواقع ودرجة الحفاظ عليها، ومن بينها الموجودة في كل من اليابان، ألمانيا، إيطاليا، السويد.

تعاونت مع معهد "البحث في الطبيعة والانسان" في "كيوتو" من أجل تطوير المواقع العالمية بالإضافة إلى مشاركة جامعة طوكيو "معهد التكنولوجيا" معهم، حيث قدمت مشروع ممول من طرف اليابان "GSPS" لترميم بيت قاضي في جنوب عمان في ظفار بصلالة. ولا يزال المشروع قائما إلى يومنا.

قامت بتأطير بعض الطلبة الباحثين في مرحلة الماجيستر.

الإنتاج العلمي:

من أهمّ إنتاجاتها العلميّة كتابيْن: يتكوّن الأوّل من مجلّديْن حول عمارة المساجد الإباضيّة في وادي ميزاب وجزيرة جربة وسلطنة عمّان وهو باللّغة الفرنسيّة، ونتاج بحثها للدكتوراه.

أمّا الكتاب الثّاني فتمّ نشره في صيف 2021م من طرف وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان، وهو باللّغة الإنجليزيّة، ويمثّل جهدًا دراسيًّا وتوثيقيًّا لبعض المعالم والمستوطنات التاريخيّة العمانيّة وخطط إعادة تأهيلها.

وهي الآن بصدد إعداد كتاب ثالث، وسيُنشر قريبا إن شاء الله، يناقش قضيّة المحاريب المنقوشة في بعض المساجد القديمة في سلطنة عمان.

كما نشرتْ عددًا من المقالات المُحكَمة في مجلّات علميّة مرموقة وذلك باللّغات الثّلاثة العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة.

وشاركت في "بيينالي البندقية للفنون والعمارة" في دورته 2021م، بشريط قصير حول التّراث العمراني في عمان.

حضرت ولا تزال تحضر في العديد من المؤتمرات المحليّة والإقليميّة والعالميّة وكانت ضمن اللّجنة التحضيريّة والعلميّة لعدد منها، كما استُضيفتْ في عدد منها كذلك كمتحدّث رسميّ حيث تم استضافتُها مؤخّرًا في مدينة "هلسنكي" في "فنلندا".

كما يتمّ استضافتها في عدد من الندوات كل سنة وبفضل الله تقدّم محاضرات باللّغات الثلاثة العربية والإنجليزية والفرنسية.

أمّا على المستوى الإعلاميّ، فكانت لها عديد المشاركات في أعمدة صحفيّة وبرامج تلفزيونيّة وإذاعيّة تحدّثت فيها عن واقع العمارة والعمران من خلال عددٍ من المواقع والمعالم التاريخيّة العمانيّة.

تعمل أيضاً على العديد من الأبحاث الأخرى بالتّعاون مع مؤسّسات علميّة عالميّة، تدور كلها حول التّراث المعماريّ والعمرانيّ في سلطنة عمان والمنطقة العربيّة.

تعاون الباحثة مع الجامعات الجزائرية:

بالرغم من كان الباحثة تقيم خارج الجزائر إلّا أنّ عبق تميزها وشذى انتصارها لم يكف عن الانبعاث فلحق الجزائر بمختلف جامعاتها ومؤسّساتها.

ساهمت بأبحاثها في العديد من المؤتمرات مثل مؤتمر العمارة الإسلامية، حيث كانت متحدثا رسميّا بجامعة قسنطينة. حتى قبل التحاقها بالإمارات فعندما كانت طالبة دكتوراه وبحكم علاقتها مع اليونسكو حاولت إدراج مدينة قسنطينة على لائحة التراث العالمي، كما نظمت مع اليونسكو مؤتمر دولي بقسنطينة سنة 1998م لإدراجها ضمن اللائحة لكن للأسف لم يستمر المشروع لظروف مجهولة.

شاركت أيضاً في مؤتمر في مدينة سطيف، ونشطت دراسات لطلبة الدراسات العليا ما قبل التخرج؛ ومؤخرا استقبلت ثلاثة باحثين جزائريين ليقوموا بتربصاتهم العلمية خارج الوطن من بينهم باحثة بجامعة قسنطينة وباحثين في درجة الدكتوراه، حيث نظمت مع أحد الباحثين ورشة عمل حول "العمارة الصحراوية والعمارة الطينية في الصحراء" في ولاية إليزي وجانت باستضافة والي إليزي، ومن خلال هذا التعاون أطّرت الكثير من الباحثين في توثيق وترميم القصور الصحراوية.

"كنت ولا زلتُ وسأكون دائماً متعاونة مع الجزائر، هذا هدف شخصيّ منذ أن تركت الجزائر ، وذلك من أجل رد الخير للوطن وخدمته".

التكريمات والاستحقاقات:

  • تمّ تكريمها في جامعة الحصن في أبو ظبي بسبب أعمالها وخدماتها وقبل انتقالها إلى جامعة السلطان قابوس.
  • في سنة 2016م تم تكريمها من طرف جامعة السلطان قابوس بعد نجاحها في تأطير الطلبة وحصولهم على المرتبة الثانية في جائزة الأمير "سلطان بن سلمان" سنة 2015م.
  • تمّ تكريمها من طرف الجامعات الجزائرية: قسنطينة، سطيف،  ولاية إليزي لمختلف الورشات والمحاضرات والأنشطة الّتي قدمتها الدكتورة "بن كاري".
  • كُرّمتْ من طرف كليّة الهندسة في جامعة "السلطان قابوس" لإشرافها على إنجاز رسالة تعاون بين جامعة "السلطان قابوس" بعمان وجامعة "كيوتو" باليابان.
  • نالت الجائزة الأولى للأمير "سلطان بن سلمان" للدراسات في التراث العمراني الإسلامي.
  • الجائزة الأولى للبحث العلمي للسيدات الباحثات من جامعة الشارقة.

شذرات في الأستاذية المعماريّة:

  • خلال ممارسة الدّكتورة "بن كاري"  للأستاذيّة في مختلف الجامعات تعلّمت العديد من الأسس في المجال، أبرزها من خلال تصريحاتها:
  • في ميدان العمارة لا بد من الخروج من إطار القسم، وقد أحببت العمارة عندما خرجت من القسم ودرستها في الطبيعة، ومارستها في الطبيعة، ومن بداية التدريس أنا من المناضلين للتدريس خارج القسم.
  • أغتنم الفرصة في كل المساقات التي أدرسها سواء النظرية منها كتاريخ العمارة أو المساقات العملية مثل ورش التصميم للخروج مع الطلبة ونمارس العمارة بشكل مباشر، حتى إن كان خروجا إلى الممرات فإذا كان لدي درس حول الدرج نذهب إلى أقرب درج موجود ونتعلم بشكل مباشر كيفية التصميم.
  • من المهم بمكان ممارسة العمارة بالملاحظة والممارسة أن يكون الطالب في غرفة طينية فيها الاتجاهات المناسبة والفتحات المناسبة، فأدع الطالب يشعر بدرجات حرارة المكان، وبالهواء، وأطلب منه سماع الأصوات المحيطة، وهذا نوع من التدريس بمختلف الحواس، لإيصال المعلومة والرسالة المرادة.

تحديّات في طريق الباحثة "بن كاري":

مرّت العالمة "بن كاري نعيمة" بالعديد من التحديّات خلال مسارها من أهمّها المناخ فأغلب أعمالها خارج مبنى الجامعة في جو حار مما يعرقل عليها عملها وإلهامها خصوصًا في فترة تدريسها، وكذا البعد عن الوطن والعائلة، إلّا أنّ من يقرأ سيرتها يلاحظ عبقريّتها الشّديدة في تسيير أمورها وموازنتها فحقّ بذلك أن تكون عالمةً للجزائر.