
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين وأصلّي وأسلّم على من بعثه الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الكرام البررة، وسلّم تسليما كثير إلى يوم الدين وبعد:
سنّت مؤسستنا التربوية "فسائل الأمل" سنة حميدةً طوال سنواتٍ عديدةٍ تتمثل في تنظيم رحلة إلى حفل وسام العالِم الجزائري، هذا الحفل الذي يعيد الاعتبار للعلم والعلماء، ويكرّس فكرةً لها أثر عميق ومحتوى دقيق مفاده يكمن في شقّين متكاملين بين الأمس واليوم: الشّقّ الأول: أنّ أرض الجزائر كانت خصبة بالأبطال الأشاوس والرّجال العظماء الذين ضحوا بالنّفس والنّفيس من أجل طرد الـمستعمر الخسيس، فرفعوا لواء الحرّية والكرامة؛ حتى تعيش الأجيال اللاحقة مرفوعة الهامة، في عزة وسؤدد ورخاء، وأمن واطمئنان وسخاء، وقد صدق فيهم الحق عز وجل حينما قال: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب:23).
والشّق الثاني: أنّ جزائر اليوم خِصبة بعلمائها وطاقاتـها وكفاءاتـها، الذين ينيرون دروب العلم والمعرفة، فتجدهم يقضون الساعات الطوال في صناعة المخترعات والابتكارات، وصياغة النظريات والبحوث والمؤلفات، همهم الوحيد الإجابة عن السؤال الذي يختلج في صدورهم، ويتردد في خواطرهم، ويتبلور دوما في عقولهم، وهو: ماذا أقدّم لأمتي؟
هذا السؤال جعل علماءنا جميعا، والعلماء الذين كُرِّموا على وجه الخصوص، يتحدّون الظروف القاسية التي ألـــمّت بـــهم، ويتجاوزون العثرات التي تُعرقل سبيلهم القويم، فهذا العالم الدكتور "يوسف منتالشتة" عاش فقيرا معوزّا في صغره، فقد روى أنّ أمه كانت عاملة نظافة، وفي بعض الأحيان تصطحبه معها ليساعدها في عملها الشريف الذي تحصل به على لقمة العيش، ولكن لم تكن تعلم هذه الأمّ العظيمة أنّ ابنَها يوسفَ سيكون يومًا ما علَمًا من أعلام هذه الأمّة، بارعا في مجال تخصصه، متبحّرا في مجال الإعلام والاتصال والبرمجيات، كان له فضل السبق في أنّه أوصل الأنترنت إلى الجزائر.
وهذه العالـمة "نعيمة بنكاري" التي كانت شغوفة بدراسة التراث مما جعلها تتخطى الصعاب، وتقوّضُ الحواجز الأنثوية؛ لترتقي نحو التميز والنفع والعطاء، فقامت بدراسات تراثية داخل الجزائر وخارجها، وألفت كتبا وبحوثا في مجال تخصصها، ومن بين المناطق التي قدمت فيها بحوثا: منطقة غرداية وقصورها الحضارية العتيقة المتميزة بالأصالة والإبداع.
وأما العالمة "نشيدة قصباجي" فقد برعت في مجال "الطاقات المتجددة"؛ لتقرّ بحقيقة اقتصادية مفادها: أنّ ثروات البترول والغاز آيلة إلى الزوال، فالرّهان يكمن في الطاقات المتجددة التي تُنعش الاقتصاد وتنوّع من منظومته، حتى يتنقل من الإقليمي إلى العالمي. من أجل هذه القاعدة العلمية الحضارية تحدّت العالـمة ظروفها العائلية وخطت خطواتٍ ثابتة فطورت من نفسها وقدمت تجاربَ وأفكارًا، وكوّنت طلبة وباحثين، حتى يستلموا راية العلم والمعرفة مستقبلا إن شاء الله.
وبعد عرضنا المختصر لهذه الكوكبة من العلماء، حُقَّ لنا جميعا أن يطرح كلُّ واحد منا ذلك السؤال على نفسه: ماذا أقدّم لأمتي؟
ذلك أنّ أمة الإسلام في هذا العصر في أمس الحاجة إلى أُناس مخلصين، صادقين في سرائرهم يعملون بكلّ عزيمة وإرادة وتفانٍ، واعين بكل ما يحيط بهم من حروب بيولوجية، وصراعات إيديولوجية، ونزاعات فكرية، يميزون العدوّ من الصديق ، والخائن من الأمين، يسعون للمّ شمل الأمة، وتقوية أواصرها على مبدأٍ من الأخوة والتآلف، يخوضون غمار العلم والمعرفة، ويقتفون آثار الصالحين والأتقياء والمصلحين؛ ليجسدوا بذلك حقيقة قوله تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة: 105).
وفي الأخير لا يسعني إلا أن أعبّر عن مشاعر الشكر والامتنان والثناء والإحسان إلى كل القائمين على تنظيم هذا الحفل المبارك الذي يُعدّ إكرامًا ووفاءً لعلمائنا الأفذاذ، بارك الله فيهم.
د. بوزيد شتوح بن بوجمعة
يوم: 26/ 11/2022م.
Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast