عيسى عيسى
مؤسسة وسام العالِم الجزائري في الطبعة السابعة تقيم حفل التكريم لهذه السنة، والنفوس في الوطن والأمة قاطبة، تواقة مشتاقة إلى مزيد جرعات أمل، ومعانٍ مرشدات للعمل..
انطلق الحفل على العاشرة والنصف صباحا، من يوم السبت 22 محرم 1436 الموافق لـ 15 نوفمبر 2014 بفندق الهيلتون، بالجزائر العاصمة، فحضره جمع من العلماء المكرمين سابقا بالوسام، وشخصيات سياسية وعلمية واجتماعية من شتى ربوع الوطن، وطلبة جامعيين، واكتظت القاعة بوافديها، فلم تسعهم وبقي بعضهم واقفا...
افتتح القارئ "كريم قوادفل" الملتقى بآيات بينات من سورة فاطر، تلا ذلك النشيد الوطني الجزائري، تناول بعدها التنشيط الأستاذ طه كوزي، حيث أكد على مبادئ منها: أن المرجعية في الوطن للرأس لا لعضو آخر من الجسم، ومؤسسة وسام العالِم الجزائري لا تلتفت إلى العالِم بعد الوفاة، وإنما تحتفي به ليُقتدى بجهده حيا متحركا محترقا لوطنه. كذلك هي تبكي فراق العالِم أبو القاسم سعد الله (رحمه الله) وهو أول مكرم بالوسام، وتعتبر أن مساهمتها هذه قِربة في نهر، إذ لا تدَّعي تفرُّدا بالحدث وإنما مساهمة في نهر...
وأضاف: في بلادنا مناطق لا نعرف عنها إلا ما يمليه علينا الإعلام، لكن حقيقة العلم لا يحصره تخصص ولا يحده مكان ولا يختصره زمان.. يراد منا أن ننظر للوطن أنه قطعة مظلمة.. لكن نحن هنا نقول: نعم للجزائر علماؤها...
أما المكرّم لهذه السنة فهو الدكتور البروفيسور أحمد جبار، إلى جانب فريق البحث العلمي لجمعية التراث، الذي كُرّم للعمل الجماعي والنفس الطويل والهمِّ العلمي المشترك بين باحثين اجتمعوا منذ 20 سنة.
بدأت أول جلسة مع أعضاء الجمعية، حيث تقدم الأستاذ الدكتور إبراهيم بحاز بكلمة قال فيها: إن فكرة التراث والاهتمام به بدأت مع الدكتور محمد ناصر والشيخ القرادي. وجمعية التراث تبحث في المجال الزمني من قبل قيام الدولة الرستمية إلى عصرنا الحاضر. وكان مبدؤها العمل، ومنطلقها "المعرفة والتعارف والاعتراف".
ثم تقدّم الأستاذ الدكتور محمد ناصر بوحجام، بكلمة مفادها أن فكرة التراث إضافة لما تقدم، جاءت لتصحح أخطاء عن تاريخ الإباضية، وقد لقيت تجاوبا في العالم بأسره، ولله الحمد. وهذا كله لندفع عن الأمة أسباب نجاح أعداء الدين في خططهم ومؤامراتهم. أما العنصر الثاني فتمثل في الاستثمار في بحوث الطلبة، ولقد جمعت في 20 سنة أزيد من 300 عنوان..
وعلى سؤال الأستاذ طه كوزي: ما الفرق بين بحث ينجز منفردا وبحث ينجز جماعيا؟ أجاب الدكتور بحاز: البحث الفردي يتحمل صاحبه مسؤوليته لوحده أما الجماعي فتتحمله جماعة بحث علمي، وأقوى ما فيه التكامل والتقوّي بالآخر وسط المجموعة. والحمل أخف والمسؤولية مشتركة، وكذا المتعة في العمل الجماعي لأن فيه لقاء واجتهاد وعطاء وتبادل للأفكار، وذلك سبب لانقداح الأفكار التي لن تنقدح للباحث وهو منفرد.
الجلسة الثانية كانت مع الدكتور أحمد جبار بعد روبورتاج مصور معه، قال بعده:
لا كلام لي بعد ذكر الوالدين والأساتذة والذين كانوا لنا سببا في أن نقدّم خدمة لهذا الوطن العزيز، لا إضافة لي بعد امتناني وشكري لمؤسسة وسام العالِم الجزائري.
لكن أوجّه كلامي للشباب: الباحثون ليسوا قليلين، بل هم كثر، لكن السؤال يُطرح عن الأزمة الثقافية: ما مدى تغلغلها فيهم؟ إذن أزمة الجزائر هي أزمة ثقافية، وتحسين الوضع الراهن إذا كان بقرارات ومراسيم، فلينتظر القرن القادم!
اجتمعت لدى البروفيسور أحمد جبار صفات تفرقت في غيره: أستاذ متخصص في الرياضيات، وسياسي، ومتفاعل عالمي في تاريخ العلوم. والسؤال كان: كيف حصل التحول من باحث رياضيات إلى باحث في تاريخ العلوم؟؟
فأجاب: بعد إتمامي الدكتوراه في الرياضيات، تذكرت أنني تكونت دينيا وتاريخيا وعلميا...
وعلى سؤال: ما هو الاكتشاف الذي حصلتموه خلال رحلاتكم العلمية؟ رد قائلا: الباحث ينطلق من الفرضيات... فبحثتُ في تونس عن صفحات محددة عن مخطوط سمعت بأنه يتضمن اكتشافا عتيقا جدا، في مجال الرياضيات، فتتبعتُ الكلمات المفتاحية، فوجدتُ أربعة أسطر في مخطوط لابن البنا المراكشي حول مساهمة المغاربة في الرياضيات، فبفضل الأسطر الأربع وجدت بأن المغاربة قد اكتشفوا قبل الأوروبيين مسألة ... ثم تمكنت بعد ذلك من العثور على المخطوط الدليل في الرباط، ولقد أعددت ورقة في الموضوع لم تنشر بعد، وبفضلها تعرف علي الكثير من كبار العلماء في تاريخ الرياضيات في العالم، فقلت: الآن بدأ العمل... وتحقق لي بأنني محظوظ. والتمكن العلمي والتقني للباحث ليس كل شيء...
قال في تواضع: العالِم هو طالب للعلم، فلا أقبل أن ألقّب بالعالِم بل أنا طالب له، لأن العالِم محدود في تخصص يفهمه أناس قليلون. فالشرف في طلب العلم.
وأضاف قائلا: التلميذ الذي لا يطرح السؤال لا يتعلم، والطالب الذي ينتظر أن تفرَّغ فيه معلومات لا يتعلم، والدبلومات والشهادات أبدا ليست دليلا على العلم... فعندما يجد الطالب إبداعا خارجا عن المألوف فليعلم أنّ أهم شيء في حياته هو ذلك الذي يميزه وسيتميز به إذا استمر فيه ونصره.
واستمر في حديثه بعفوية وطلاقة قائلا: من خلاصات بحوثي أنه من الواجب أن يسبق التاريخ الهجري الميلادي.
وإن الأخطر في التاريخ، ليس هو الجاهل ولكن، الذي يعتقد أنه يعرف. وقد بادرنا في المدرسة العليا للأساتذة بتأسيس مخبر للدراسات في تاريخ الرياضيات العربية.
بعد الحديث الشيق مع الدكتور جبار، استمع الحضور إلى مكالمة هاتفية مصورة مع الدكتور البروفيسور كمال يوسف تومي من أمريكا، المكرم في العدد السابق من وسام العالِم الجزائري، شاكرا المؤسسة ومهنئا المكرمين، وأشار إلى قدسية العلم وعظمته في الشرع الإسلامي، وأن التفاضل عند الله بالعلم، وأنه علم دين وعلم دنيا، وأن في تاريخنا شموس أمثال الخوارزمي وابن سينا وابن الهيثم والبيروني ...
ووقف على العلماء من الأنبياء أمثال النبيء سليمان ودواد والخضر ...
ثم أشار إلى أن أكثر ما يُقدّر في العالم، الأصول غير الملموسة وهي براءات الاختراع، وهذا هو الأساس عندهم، أما العنصر الثاني فهو الانضباط، والثالث محبتهم لبلدانهم. فإذا أردنا أن نقارن بلدنا ببلدان أخرى في الثروات الباطنية سنجد بأن العامل فعاليته مضاعفة إلى الألف والألفين والثلاثة آلاف من العامل في بلدنا في مجال الطاقة. إذن فأساس البلدان هو المورد البشري، ثم السرعة في الابتكار هي الأساس الثاني، ففي الجزائر باحثون وطلاب وطاقات متميزة، فكيف يستثمر هذا المورد البشري الذي هو أساس البلدان؟
ثم خلق البيئات الفعالة وإجراء الأفعال القائمة على الابتكار والإنتاج، وكذا تأسيس الشراكات مع المؤسسات العلمية العالمية، وتعزيز حب الوطن في النفوس لأنه من المحركات.
وقال في خاتمة تدخله: أيها الجزائري، كن زعيما في العلم والعمل، وكن سفيرا لوطنك وأسرتك في الخير.
بعدها ألقى الدكتور محمد باباعمي كلمة، قال فيها: إن شقاء البشرية في انفصام سبحان الله عن إنتاج المعرفة، وفي أن البعض يقرأ لكن ليس باسم الله والبعض يقول باسم الله ولكن لا يقرآ.
وأضاف: الجيل ينادي؛ لا تتركونا للأفاعي والذئاب وسنحبكم في الله. قالها وقد غلبته الدموع..
تدخَّل بعده الدكتور سعيد بويزري قائلا: دموع الدكتور باباعمي ذكرتني بدموع الشيخ البشير الإبراهيمي، يتحدث عنه زائر، وقد وجده في مكتبه بالقاهرة يدمع، يقول: إن دمعة حزن أعمق من بحر السرور، من دَمع إنسان واعي... وقال الإبراهيمي أنا أبكي ولكنها دموع فرح بشائر النصر جاءتني من الجزائر.
وقال: مؤسسة الوسام تحقق مقاصد بلغة الشريعة فلوجودها ضرورة منها:
1- "خدمة العلم وهذا شرف، 2- التعريف بعلماء الجزائر وطلبة العلم في الجزائر 3- التقريب بين العقول وجمعها لأنه لا يمكن للعقل الواحد ولو بلغ شأوا سامقا أن يحقق حضارة 4- زرع الأمل، لأن اليأس يقتل الفضائل في النفوس وشعارنا "ولا تيئسوا من روح الله" 5- التعاون تحقيقا للأمر الرباني "وتعاونوا على البر والتقوى...".
تلتها كلمة للدكتور عبد الرزاق ﭭسوم، رئيس جمعية العلماء، قال فيها: تخوننا الكلمات عند بلاغة العلم، ولغة الدموع أصدق وأبلغ من العلماء وطلبة العلم لأنها تجيش بما في قلوب الناس... عشنا مشاعر الصدق الدؤوب في مؤسسة الوسام، ولقد دأبت مؤسسات الحداثة وهيئاتها ومنظماتها تقديم الأوسمة لكمال الأجسام والقوام، وجاءت مؤسسة الوسام لتَقلب المعادلة لتكريم ذوي الأفهام والأقلام، وأن الإبداع ليس ابتداع. ولقد تفنن الإعلام في أن يروج بأن الإبداع في الأجسام.
لقد أيقظنا معهد المناهج بهذا الوسام من السبات ودعا إلى التجديد بعيدا عن التقليد. فشعب يتعلم يعني شعب يتقدم. ومما يميز وسام العالِم أنه شمولي في ألوان معرفته وجغرافيته، وندرك حكمة الاختيار جلية في الموسومين. والمزج بين الحداثة والأصالة، أصالة مطلوبة.
ثم تدخّل الأستاذ محمد الهادي الحسني قائلا: كنت أظن أن الدكتور جبار بعيد عن الله. لكن وجدته غير ذلك عندما انطلق من القرآن. وسمعت الشيخ بيوض يقول بأن الحساب من القرآن. يقول الإمام ابن باديس: الشعب الجزائري تربة خصبة لو واتتها الظروف.
بعدها جاءت كلمة الشيخ عبد الرحمن بعموري، قال فيها: نحتفل بما احتفى به الله تعالى، ونحتفي بما تباهي به الملائكة، وبما كان يحث عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه. فنشكر من كان سببا لتكريم البروفيسور أحمد جبار وجمعية التراث ....
بعد هذه الكلمات لعلمائنا الأجلاء، جاءت لحظة تسليم الأوسمة للمكرّمين مع مجموعة من الهدايا، واختتم الحفل بكلمة من سفير فلسطين، قال فيها: إننا أمام تحديات كبيرة، والله لما أنزل القرآن وضع فيه غيبيات كثيرة منها أننا كلما ازددنا علما ازددنا خشية. توصيف الداء يسهل بعده وصف الدواء، وأملي عظيم في هذه المناسبة.
ثم كلمة للوزير السابق بابا احمد، جاء فيها: لا يمكن أن أضيف، فمشاعري غامرة وأركز على أن الاستثمار الحقيقي في الإنسان، فلا أملك إلا أن أشجعكم، شاكرا الساهرين على الحفل، وأن يكون قدوة لتشجيع العلم والعلماء.
ثم مسك الختام، قصيدة استمعنا إليها من الدكتور مصطفى باجو، وأخرى من للدكتور محمد ناصر بوحجام.
Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast