
معادلة النجاح في الدنيا والآخرة معاً عاملها العِلم، وخِتام عديد آيات القرآن الكريم فيها "أفلا يعلمون" "أفلا يعقلون" وحتمًا يجب ذِكرُ أول كلمةٍ منزلةٍ في وحيِ العظيم كلمةُ "إقرأ" جاءت لتختصِر حياة المؤمِن فعلًا وقولًا. حديثنا عن العِلم يرشدنا إلى بحر من العلوم وأنهارٍ من التخصّصات يسعى فيها العالِم جاهدًا للبحث والتقصي والأخذ والعطاء بُغيةَ تحصيل معادلة النجاح الدنيوية والأخروية.
في الجزائر وسامٌ، في أرض الشهداءِ تقليدٌ في عامه الخامسِ عشر، في مرتعِ العِلم سُنةٌ في نسختها الثالثةَ عشر سُميت وسامًا لما للكلمة من سموٍّ في المعنى وعلوٍّ في الهمة ورفعٍ لسقف الطموح، حفلٌ يُكرّم فيه ثلةٌ ممن جاهد في سبيل العِلم وأرسى قواعدَ البحثِ وترك بصمةً يشهد عليها الدّهر والزمن وتتعاقب عليها كلمات شكرِ وتقديرِ الأجيالِ القادمة والصاعدة.
افتتاحية المحفل بكلمةِ مؤسس المبادرة التي شملت حروفًا تحفيزيةً وكلماتٍ مؤثرةً وسطوراً احتوت على الحث على العمل ورفع راية الوطن وبنائه وحمايته بالاجتهاد والمثابرة ونحن في شهر نوفمبر شهر الثورة والاعتزاز الذي يوافق ميلاد عديد العلماء المكرمين بمن فيهم اثنين من هذه النسخة وكأنّ الجزائر كلها ولدت في نوفمبر. وصيّة الدكتور: "بابا عمي" أنّ الجزائر لن تموت وأنّنا سنواصل التاريخ ورجال المستقبل هم الجزائريّون جميعًا.
نعم .. للجزائر علماؤها، جوابٌ لمن يشكّك ولو مزاحًا في ولادة هذه الرقعة الجغرافية الحرة لأشخاصٍ غيّروا التاريخ وصنعوه بأيديهم وعقولهم، ودليل ذلك ما سبق من الطبعات والأسماء التي مرّت وستمر بإذنه تعالى في قادم المواعيد. أما نسخة هذا الموسم فاحتوت على أستاذتين وأستاذ، وما أعظم رسالة التعليم وأجَلّها وأعزّها وصايةً عن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام.
الدكتورة "نشيدة قصباجي" والدكتورة "نعيمة بن كاري" وختامًا البروفيسور "يوسف منتالشتة" هم من كان لهم شرف اعتلاء منصة تكريمِ وتتويج العلماء، بعد مشاهدة عروض مستقلةٍ لكل واحد منهم، كلُّ عرضٍ يحوي أسرارَ نجاح وقصةَ كفاح وأقوالَ شهود، عرضٌ ترك الحاضرين ينغمسون في الشاشة يريدون تروية ظمئهم وتغذيّة أبصارهم بجميل الفِكر وعظيم الفِعل.
"نشيدة قصباجي" وعشقها للموارد الطبيعية ..
من أعظمِ لبنات المجتمع الأسرة، ذكرها يقودنا بالتبع إلى دور المرأة فيه، كونها ركيزةَ تكوين محيطِها وهذا ما شوهِد جليًا في فيديو تعريفي للأستاذة. قبل ولوجها عالم البحث عشقت عالم الموارد الطبيعية بدءً بالشمس التي قادتها إلى الرياح بالتبع فوجدت نفسها أول مخترعةٍ لخريطة في طاقات الرياح للجزائر. إيمانها بقيمة العِلم جعلها تنغمس في مجال البحث العلمي ممّا جعلها تحوز على براءات اختراع في مجال الطاقات المتجددة وشهادات من حولها بُرهانٌ على ذلك بمن فيهم ابنيها.
من غرداية إلى عمان ورحلات تحت شمس العمران ..
"سنحرر الأقصى بإذن الله وسأقوم بترميمه بنفسي" جملةٌ مليئةٌ بالأمل والطموح ومفعمةٌ بالنشاط ودليلٌ على الصبر والحِلم الذي تمتلكه الأستاذة "نعيمة بن كاري"، عقبات حياتها المهنية المتعلقة بتشبثها وتمسكها بالمبادئ الإسلامية تجاوزتها بفضل إيمانها القويّ ورسالة التعليم رافقتها منذ شبابها إلى استقرارها في جامعة السلطان قابوس بعمان بشهادة الجميع على تفانيها وصرامتها وحرصها على دقة العمل وإيجاد الحلول. قاومت حر الشمس وتضاريس الجبال نصرةً لولعها بفن العمران أوصلها لتكون باحثةً مختصة في الهندسة المعمارية في اليابان كما ساهمت في تأسيس جامعة الحصن في الإمارات بعد أن بدأت رحلتها من أزقة قصور غرداية وعمرانها.
الماضي في الإعلام والمستقبل في التقنية ..
"المعارك القادمة ستُحسم نتائجها في المخابر" اقتباس لكلمات البروفيسور "يوسف منتالشتة" ثالث المكرمين، الأب الروحي للإعلام الآلي في الجزائر، العميد التاريخي للمدرسة العليا للإعلام الآلي وضع أول قواعدها وأدخل للجزائر منبع الانترنت والشبكة لنقتات به إلى يومنا هذا. بصمة هذا الرجل متجليةٌ في شهادات من حوله وعمله الثوري عقلًا أبرز معدنه الأصيل وإيمانه المتجذر بقوة تأثير الشباب في تغيير المستقبل وإضفاء النور على الظُلمة فهم رجال المستقبل وصناع قراره. بِسبّابة وَوُسطى أصابعه أشار (الدين والعلم) هما بوصلة السير في الحياة.
كرامة العِلم في كرامة مجتمعه ..
الكرامة نيابةٌ عن جمع العلماء، فالوسام فرصة لجمع ما أمكن منهم وتكريم مجتمع العلم أبسط ما يمكن، فالصبيحة تخللتها جلسة علمية فكرية نشطها ضيوفٌ شرفوا الجزائر دوليا على غرار "كريم زغيب" مستشار استراتيجي لشركة "كيبيك انفيستيسمون" وكذلك "محمد بورنان" البروفيسور بجامعة ستوكهولم في الفيزياء. هذه عيّنةٌ فقط مما تملكه الجزائر في جعبتها من الباحثين والعلماء الذين توغلوا في الغرب بعِلمهم واجتهادهم وهذا ما نلاحظه جليًا في الندوة من خلال تدخلاتهم وكلماتهم القيمة وردودهم الإيجابية حول الوسام وأهله.
مِسك الخِتام حين اعتلى الثلاثة المنصة مجددًا للتكريم، ومن دواعي السرور تقليدهم بهذا الشرف وإحدى أعظم اللحظات أن تقف في حضرة العِلم مُكرَّماً تعتلي محياك الابتسامة والاعتزاز والتواضع المرافق لخصال جُلّهم، إذ الحروف تخرج من تلقاء نفسها والأسطر تُحرّرُ تواليًا لِتُعبّر عن أحاسيس ومشاعر يبثّها القلب والجوارح ترسلها في الوجه بارزةً يشاهدها الحاضر فتصله مباشرةً وتتسلل إلى قلبه دون قيود ولا عراقيل فتزرع فيه بذرة العمل والطموح والصبر والاجتهاد.
بالحاج أبي اسماعيل
Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast