صاحب الألف إختراع

أ.د بلقاسم حبه، شرف الجزائر... صاحب الألف اختراع.

الاسم: بلقاسم.

اللقب: حبة.

تاريخ ومكان الميلاد: مواليد 1957م، المغير ولاية وادي سوف.

‹‹رغبتي الأولى والأخيرة في الجزائر هي إنشاء مختبرٍ علمي بمواصفات عالميَّة، يستفيد منه الباحثون الجزائريون... ولو تمكنت من تحقيق هذه الرغبة فسأعتبرها أعظم إنجاز لي في وطني

 

النشأة:

إذا يمّم الزّائر وجهه يومًا شطر جزائرنا الحبيبة، فلابدّ أن تستوقفه زرقة بحرها وخضرة جبالها... فإذا مدّ بصره أبعد من ذلك ذهبت بلبّ فؤاده جبال الأطلس الصّحروايّ، وعانقته كثبان رمالها السّاحرة، وأبهرته حرارة ربوعها، لتهيّج في وجدانه شوقا لاكتشاف سحرها وأناقتها.

وبين هاتيك الكثبان تتراءى لنا ربوع الزّيبان، وعروس الجنان: بسكرة... ومن سيدي عقبة تحديدًا تنحدر عائلة "حبه"   فهناك مقرها ومستقرها.

عاشت العائلة في مدينة "سيدي عُقبة" تمتهن غراسة النّخيل حرفةً لها ترتزق منها، ووسط واحاتها وُلِد ونشأ "بو حفص" أحد أبناء العائلة. لكنّها ما لبثت أن تركت "سيدي عُقبة" متوجِّهةً نحو مدينة "سيدي خالد" القريبة منها، لتستقرّ بها ردحًا من الزّمن.

وفي هذه المدينة المضيافة، تصاهرت عائلتا "حبه" و"بودرهم" بتزويج "بو حفص" من "خديجة"، لتبدأ رحلة عائلةٍ طيّبةٍ مباركة.

كانت أوضاع العائلة صعبةٌ للغاية، ممّا جعلها تغادر "الزّيبان"، وتيمّم وجهها شطر ولاية الألف قبّة وقبّة "وادي سوف" بغية تحسين ظروف المعيشة، وكان ذلك حوالي سنة 1950م، واختارت "المغيّر" مستقرًّا لها. ولكن الحياة فيها لم تختلف كثيرًا عن الحياة في مدينة "سيدي خالد"؛ لكون الاحتلال الفرنسيّ لم يُعفِ أي جزائريٍّ من شظف العيش وضنك الحياة أينما حلّ وارتحل.

وفي سنة 1957م رزق "بو حفص"  بثاني أبنائه "بلقاسم" الذي نشأ وسط إخوته العشَرة، مواكبًا ظروف عائلته بحلوها ومرّها، ومعايشًا أحداث وطنه الّذي كان يلتهب آنذاك بشعلة الثّورة التّحريريّة المباركة ضدّ الاحتلال الفرنسيّ، والتي زكّى الله ثمرتها بعد ذلك بسنواتٍ قليلة، فكان الاستقلال في الخامس من شهر جويلية سنة 1962م.

كان بلقاسم يومئذٍ قد بلغ الخامسة من عمره، ولم يمنعه صغر سنّه من المشاركة في احتفالات أهل مدينته بالاستقلال، وبقي هذا الحدث راسخًا في ذهنه، بل إنّه لا يكاد يذكر حدثًا مرّ به في مرحلة الطّفولة كما يذكر تلك الاحتفالات.

المرحلة الابتدائية:

التحق بلقاسم في مستهلّ حياته الدّراسيّة بالمدرسة الابتدائيّة "علي خليل" سنة 1963م، وتتلمذ بها إلى غاية سنة 1969م. وفي هذه الفترة تبلورت شخصيّته، وتفتّقت عبقريّته، وظهر تفوّقه في الرّياضيّات بشكل لافتٍ، حيث كان ينال العلامة الكاملة في أنشطتها، حتّى إنّه كان ينهي امتحانات المادّة في وقتٍ وجيزٍ جدًّا، ممّا يدفع معلّمه إلى تكليفه بمهامّ إضافيّة خلال الوقت المتبقّي.

تفرّس فيه والداه النّجابة منذ خطواته الأولى في المدرسة، فحرصا على حسن توجيهه وتزويده بالنّصائح، وتولِّيه بالمتابعة والمرافقة خلال مشواره العلميّ الأوّل، حتّى إنّ أباه لم يتوان في مقابلة معلّمه باستمرار لمتابعته ومتابعة سير تعلّمه، وكان حريصًا على شكر معلِّميه و خاصَّةً الأساتذة: "عبد القادر أجروني"، "صالح شهرة"، "حمه طاهر براشد"   والسيدة: "فين".

ولم ينفكّ عمّه "عبد المجيد حبّة" - وكان عالـمًا وإمامًا لمسجد سيدي عقبة- يشجّعه على الدّراسة، فكان بلقاسم معجبًا به وبثقافته، حريصًا على مجالسته والاستماع إليه ومحادثته.

عُرف بلقاسم في هذه الفترة بولعه الشّديد بالدّراسة، فكان يحمل محفظته الصّغيرة، ويتوجّه إلى مدرسته مبكِّرًا، ولا تختلف في ذلك أيّام العطل ونهاية الأسبوع عن غيرها من الأيّام. وكثيرًا ما كان يراه أبناء مدينته قرب مدخل المدرسة عاكفًا على كتاب يطالعه أو درس يراجعه.

 

‹‹والدتي من أذكى النّساء اللاّتي عرفتهنّ؛ كنت أراها تنجز أعمالها بذكاء وحذق كبيرين، ولو أتيحت لها فرصة الذّهاب إلى المدرسة لكانت من أنجب الطّالبات. وما زاد إعجابي بها هو أنّها التحقت بمدارس محو الأمّيّة وهي في الخامسة والسّبعين من عمرها... أظنّني قد ورثت منها صفات النّجابة والإصرار والتّحدّي››.

 

مرحلة التعليم المتوسط (الإعدادي):

بعد نيل الشّهادة الابتدائيّة، انتقل بلقاسم إلى المرحلة المتوسّطة، وزاول تعلّمه في مؤسّسة كان يُطلَق عليها وقتئذٍ "C.E.G"، وتتلمذ في هذه المرحلة على يد أساتذة فرنسيّين في مختلف الموادّ التّعليميّة، ما عدا مادتي التّاريخ واللّغة العربيّة، فقد أوكلت إلى أساتذة من سوريّة الشّقيقة.

أثار تفوّقه في الرّياضيّات اهتمام أستاذ المادّة الفرنسيّ "نيكولا"؛ فكان يحبّه ويؤثره على زملائه، ويدعمه علميّا، وبقي متابعًا لمساره الدّراسي حتّى في المرحلة الثّانويّة. كما لم يبخل عليه والده بالنّصائح في هذه المرحلة، وليس من المبالغة إذا قلنا أنّ مسيرة الدّكتور "بلقاسم حبه" في ميدان الاختراعات تبلورت في هذه الفترة بفضل توجيهات والده، والّتي انصبَّت على نصح ابنه بالتّركيز على دراسة الميكانيكا لاختراع الآلات التي تطوّر الصّناعة الجزائريّة، الّتي كانت تعرف أولى خطواتها في فترة السّبعينيّات من القرن الماضي.

المرحلة الثانوية:

وفي سنة 1973م تَوّج بلقاسم هذه المرحلة بنيله شهادة التّعليم المتوسّط عن جدارة واستحقاق، ممّا سمح له بالتّسجيل في ثانويّة "الأمير عبد القادر" بمدينة "تقّرت" في شعبة الرّياضيّات. وهناك وجد أكثر شيء كان يطمح إليه، ألا وهو أجواء المنافسة العلميّة مع زملائه الطّلاّب، ممّا زاده إصرارًا في الدّراسة، وتوقّدًا في العزيمة.

وتكلّلت هذه المنافسة بحصول 14 طالبا على شهادة الباكالوريا من أصل 16، واستمرّ نجاح الفائزين وقتئذٍ في المسابقة الوطنيّة للرّياضيّات، ووصل ثلاثةٌ منهم إلى النّهائيات. وهذا يدلّ على أهمّيّة روح المنافسة الطلّابيّة في تعزيز النّجاحات التي يحقّقها الطّلبة في مساراتهم الدّراسيّة.

لقد تركت هذه المرحلة بصمات لا تمحى في حياة بلقاسم، وترك أساتذته ولا سيَّما الأستاذ "لخضر ملوح" في نفسه روحًا علميّةً متّقدةً لا تخبو؛ إذ غرسوا فيه حبّ الرّياضيّات والشّغف بها، في وقت كانت المكتبات فيه غير متوفّرة، ومصادر المعلومة شحيحة، فكانت لهم اليد الطّولى فيما حقّقه في مساره الدّراسيّ على مرّ السّنوات.

كما أضفى العمل الجماعيّ على هذه الفترة من الدّراسة منحًى جميلًا؛ حيث إنّ عدم توفّر المكتبات في ذلك الوقت جعل الطّلبة يعتمدون على بعضهم البعض في توفير التّمارين للمراجعة، فتكرّست بينهم روح العمل التّعاونيّ، وارتفع مستوى الوعي العلميّ لديهم، الأمر الذي أثمر مساحةً اجتماعيةً هامّةً بينهم، اصطبغت بها بعد ذلك إنجازات الطّالب والدّكتور والمخترع بلقاسم حبه، والتي تحقق جلّها في إطار فرق بحث علميّة.

المرحلة الجامعيّة:

واصل الطّالب بلقاسم مسيرة تألقه في الدراسة فحصل على شهادة البكالوريا، والتحق بقسم الفيزياء في "جامعة هواري بومدين للعلوم والتّكنولوجيا بباب الزّوار" سنة 1976م. وهناك درس مع نخبة من الطّلبة البارزين، بعضهم يتبوّأ حاليّا مراكز عليا في سلّم البحث العلميّ، سواء على الصّعيد الوطني أو على الصّعيد الدّولي، من أمثال البروفيسور "محمّد كشوان" عميد كليّة الفيزياء بجامعة هواري بومدين للعلوم والتّكنولوجيا، والبروفيسور "نور الدّين ميليكشي" مدير مركز البصريّات التّطبيقيّة، والكائن مقرّه في ولاية "ديلاوير" الأمريكيّة.

‹‹ لقد كان لجامعة باب الزّوار فضل كبير في بناء قاعدتي العلميّة، ورغم النّقص الذي واجهته فيما بعد في الجامعة الأمريكيّة في الجانب التّطبيقيّ للمعارف، إلّا أنّني لم أجد صعوبة تُذكر في الجانب النّظريّ... ››.

الدراسة الجامعية داخل الوطن وخارجه:

حصل بلقاسم على دبلوم الدّراسات العليا في الفيزياء بتفوّق، سمح له بالحصول على منحة لمتابعة دراسته خارج أرض الوطن، وتحديدًا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وكان ذلك سنة 1980م. وهناك انتسب إلى جامعة "ستانفورد" في شمال ولاية كاليفورنيا، وحصل منها على شهادتي ماجستير في تخصّصيّ الفيزياء التّطبيقيّة سنة 1983م، وهندسة الموادّ الصّلبة سنة 1984م. ليتفرّغ بعدها لإعداد أطروحته في الدّكتوراه حول الطّاقة الشّمسيّة بين سنوات 1984م و1988م.

وفي هذه الفترة تلقّى الدّكتور "بلقاسم حبه" عرضًا من أحد زملائه في الجامعة بإنشاء شركة مصغّرة، يكون هو مسؤولًا فيها عن التّكنولوجيّات، ولكنّه رفض العرض، وتفرّغ لإنهاء أطروحته الّتي كانت شغله الشّاغل آنذاك. وكان لهذه القصّة صدى عميق في حياته ورؤيته فكانت نقطة التغيير فيه. لأنَّه رأى أنَّ هذا الفريق كان له إيمان في قدرات بلقاسم أكثر ممَّا كان يؤمن بنفسه.

من الجامعة إلى دنيا الاختراع والتميز:

بعد حصوله على شهادة الدّكتوراه سنة 1988م، انضمّ الدّكتور "بلقاسم حبه" إلى مركز البحث في شركة "I.B.M" الأمريكيّة، وأُسندت إليه مهمّة إصلاح خلل في القرص الصّلب لجهاز الكومبيوتر. وبعد سنتين من الأبحاث والتّجارب توصّل رفقة فريق عمله إلى استعمال أشعة اللّيزر في إصلاح الخلل، وكان هذا الإنجاز باكورة الاختراعات في مسار الدّكتور بلقاسم حبه العمليّة، ولاقى بفضله ثناء وتشجيعا كبيرين.

وأتاح له مركز البحث هذا فرصة الالتقاء بعلماء ذوي سمعة عالمية سبقوه إلى تسجيل براءات اختراع غاية في الأهمّيّة، ممّا أذكى في نفسه العزيمة والهمّة، وألهمه الثّقة، وحفّزه للمواصلة قدمًا في مجال الاختراعات.

‹‹في منظومة تعليمنا في الجزائر نحتاج إلى بناء شخصيَّة ابتكاريَّة لأبنائنا خلال مسارهم الدّراسي... نحتاج إلى من يحفّزهم ويقنعهم بأنّهم قادرون على تحقيق الإبداعات وأخذ زمام المبادرة في الحياة دون انتظار أحد... إنّها قضيّة مهمّة جدًّا في حياة المتعلّم...››.

ونظرًا للسّمعة التي حصل عليها اختراعه، فقد عرضت عليه شركة "N.E.C" اليابانيّة فرصة عمل في مجال الإلكترونيّات الدّقيقة. ولكنّ الدّكتور رفض العرض، وقرّر بعدها العودة إلى الجزائر سنة 1990م، وانتسب إلى جامعة "محمّد خيذر" ببسكرة أستاذًا محاضرًا بها. ولم يلبث هناك طويلًا لتدهور الأحوال الأمنية آنذاك و عدم وجود إمكانيات للبحث، فالتحق سنة 1991م بشركة "N.E.C"، والكائن مقرّها في مدينة "كوازاكي" اليابانيّة.

وهناك بعث مشاريعه العلميّة من جديد، وأنشأ مختبرا علميّا وفق معايير دقيقة، وباشر فيه أبحاثه حول مشروع تطبيقات اللّيزر في مجال الإلكترونيّات الدّقيقة. وحفلت السّنوات السّتّ التي قضاها باليابان بالاختراعات المتميّزة، والتّتويجات المبهرة، وكانت بحقٍّ علامةً فارقةً في مسيرة الدّكتور بلقاسم حبه العلميّة والمهنيّة.

وبين حلٍّ وارتحال، قرّر الدّكتور العودة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، واتّصل هناك بشركة "Tessera"، وكانت عبارة عن شركة مصغّرة أُنشئت حديثًا، على شاكلة ما كان يطلق عليه في أمريكا وقتئذٍ  شركات "Start-up". وهناك أُسندت إليه مهمّة قيادة فريق بحث الشّركة، لتطوير شرائح ذكيّة للهاتف المحمول، تجعله أصغر حجمًا وأيسر استعمالًا، وتفتح له مجال التّسويق واسعًا. وتحقّق الهدف، واستطاعت الشّركة بفضل هذا الاختراع تحقيق نسبة مبيعاتٍ هائلة، لتتوالى بعدها التّحسينات على الهاتف المحمول بفضل فريق بحث الشّركة بقيادة الدّكتور بلقاسم حبه.

وهنا لابدّ من التّنويه بدور زوجة الدّكتور "بلقاسم حبه" الدكتورة "جميلة بوديه" في حياته العلميّة والعمليّة على السّواء؛ فإذا كانت في حياته كفّتان: كفّة العلم وكفّة الأسرة، فقد حملت عنه زوجته الكفّة الأرجح (الأسرة) باقتدار، وكانت الحافز الدّائم للمواصلة، ووفّرت مناخًا أسريًّا مفعمًا بالاهتمام له ولأبنائه. ورغم كلّ المصاعب الّتي واجهت الأسرة الصّغيرة إلّا أنّ الزّوجة بقيت مرابطةً على الثّغر، وكانت نعم المرأة لنعم الرّجل.

‹‹إذا كنت تعيش مغتربًا خارج أرض الوطن، وكنت متزوجًا من امرأة جزائريّةٍ أصيلة فإنّها ستسهّل عليك ظروف الحياة هناك، وستشرف على تربية أبنائك وفق الأصول الإسلاميّة والعادات والتّقاليد الجزائريّة الأصيلة، وبالتّالي فستجعلك مطمئنًّا على أسرتك وأبنائك، وهذا تمامًا ما حصل في حياتي...››.

وفي أجواء أسريّة وعلميّة مستقرّة، استطاع الدّكتور بلقاسم حبه تسجيل أكثر من 500 براءة اختراع في أمريكا في مجال الإلكترونيّات الدّقيقة وأكثر من 1500  براءة اختراع مسجلة و مطروحة عالميا سواء مع "Tessera" أو "Xperi" حاليا أو شركات أخرى، ليكون بذلك أوّل مخترع يصل عتبة الخمسمائة اختراع في الشّركة على الإطلاق، كما نال بفضل اختراعاته لقب صاحب اختراع العام في الشّركة ذاتها لسنوات عديدة  2004م، 2005م، 2006م و2007م على التّوالي.

دفع الطّموح الدّكتور إلى إنشاء شركة مصغّرة في إطار الـ "Start-up"، فولدت شركة "Siliconpipe Corporation"، وكان مجال عملها الإلكترونيّات الدّقيقة، وتركّزت جهود فريق أبحاثها على حلّ مشاكل تواصل التّيار بين الشّرائح الدّقيقة للأجهزة الإلكترونيّة. وكان لاختراعات الشّركة صدى كبير، دفع بعملاق الإلكترونيات "Samsung" إلى شراء الشّركة من مؤسّسيها.

وتوالت النّجاحات إثر النّجاحات، وتمكّن الدكتور بلقاسم حبه من إطلاق شركة مصغّرة جديدة هي شركة "Rambus"، والتي اختصّت بتطوير التّقنيّات المرتبطة بذاكرة الهاتف المحمول وألعاب الفيديو من الجيل الثّاني والثّالث. وتمكّن فريق البحث بقيادة الدّكتور بلقاسم من تحقيق اختراعات رائدة في المجال.

كما قدّم الدّكتور بلقاسم خدماته البحثيّة لصالح شركة "Google"، بالعمل على تطوير محرّك بحثها ليصير أكثر سرعة وفعّاليّة على مستوى (data center platform).

هذا وما يزال الدّكتور بلقاسم حبه قائدًا لفريق البحث في شركة "Xperi"، كما أنّه يعمل ... على الاتصال بشركات جزائريّة بغية تزويدها باختراعات في مجال عملها، بعد أن استفادت من علمه وأبحاثه التّقنيّة شركات عالميّة، وهدفه من وراء ذلك هو تعميم التّقنيّة في الجزائر وتيسيرها.

‹‹رغم كلّ ما حقّقته من إنجازات خارج أرض الوطن، فأنا أشعر بنقص كبير في حياتي، ولطالما تمنّيت بشدّة أن تتوفّر لي نفس الإمكانيّات في وطني لأخدمه... لكنّني لن أتوانى عن استغلال أيّ فرصة تتاح لي لمدّ يد العون لوطني ولأبناء وطني...››.

واستطاع الدّكتور "بلقاسم حبه" خلال مسيرته العلميّة والمهنيّة أن يكتب اسمه بحروف من ذهب في قائمة أحسن مائة مخترع عبر العالم بأسره  في سنوات 2012م و2014م و2015م  إلى اليوم، ولم يغادر هذه القائمة منذ سنة 2008م. وللعلم فإنّ القائمة تخضع للتّحيين كلّ أسبوع وعلى مدار سنة كاملة، وتضمّ شركات دوليّة رائدة ومراكز بحث مرموقة، ممّا يعني أنّ الحفاظ على مكانة فيها ليس بالأمر الهيّن، ويستلزم العمل الشّاقّ والدّؤوب على مدار السّاعة.

هذه هي مسيرة رجل شكّل التّحدّي والغربة ثنائيًّا فارقًا في مسيرته العلميّة والعمليّة؛ نحتا منه عبقريّةً فذّة، وولّدا فيه همّة لا تلين، وأشعلا فيه حنينًا لا يخبو لوطن أعطاه دفعة الانطلاقة، ومنحه عنصر التّميّز بلمسات جزائريّة خالصة، فكان حقّا ذلك العبقريّ الذي لا يفري أحد فريه.

أحداث ومواقف في حياة الدكتور بلقاسم حبه:

في الحياة مواقفٌ تصنع الرِّجال، وفيها أيضا رجالٌ يصنعون المواقف... هي حقيقةٌ لا مراء فيها... ولقد ازدحمت حياة الدّكتور بلقاسم حبه بالمواقف المؤثّرة والجريئة في آن واحد، وتلاحمت لتشكّل تجارب فريدة صقلت شخصيّته، وبعثت مكامنه، ووجّهت ملكاته ومهاراته، وصنعت منه عبقريّة عالميّة بامتياز.

لقد بدأت إرهاصات هذه العبقريّة منذ صغر سنّه؛ حيث عُرِف عنه حرصه الشّديد على ضبط الوقت وتنظيمه، رغم أنّ السّاعات اليدويّة لم تكن متوفّرة في ذلك الوقت أو غير متاحة في أحسن الأحوال. فأرشده والده إلى فكرة ذكيّة لضبط الوقت باستعمال تقنيّة العصا والشّمس؛ حيث يتتبّع ظلّ العصا لتحديد وقت الذّهاب إلى المدرسة أو العودة إلى المنزل.

ولعلّ من العلامات الأولى لنجابته أنّه جمع مدّخرات العيد التي كانت تمنح له في ذلك الوقت، واقتنى بها أدوات وأسلاكًا كهربائيّة، وضمّ إليها أدوات منزليّة بسيطة، وصنع منها مصباحًا يدويًّا. فكانت هذه باكورة اختراعات بلقاسم في أولى خطوات مشواره العلميّ.

ومضى الدّكتور يحثّ الخطى قدمًا صوب التّفوّق، ولم تثنه ظروفه عن خوض غمار التّجارب مهما بلغت جرأتها. ولعلّ أكثرها جرأة وطرافةً ما يرويه عن فريق زملائه في المرحلة المتوسطة؛ حيث قادهم شغفهم بالدّراسة والبحث إلى تنفيذ أفكار في علم الجراحة والتّشريح قد لا يقوى غيرهم على تنفيذها، فكانوا يقدمون على الذّهاب إلى بعض واحات النّخيل بحثا عن الضّفادع، لتشريحها والتّعمّق في فهم أجزائها على نحو ما كانوا يتعلّمونه في مقاعد الدّراسة، وكانت هذه التّجارب بمثابة الشّقّ التّطبيقيّ لدروس العلوم الطبيعيّة حينئذ.

ولا يخفي الدّكتور استمتاعه بهذه التّجارب رفقة زملائه، إلّا أنّ توجّهه كان مغايرًا لتوجّه غيره في اختيار التّخصّص المستقبليّ، بيد أنّ أثر هذه التّجارب قد ظهر جليًّا في اختيارات بعض زملائه الآخرين، ولعلّ أبرزهم كان صديقه المقرّب "الزّغيدي" الّذي واصل مشواره العلميّ في تخصّص البيطرة، وتوّجه بنيل شهادة الدّكتوراه باقتدار، وكذا صديقه المقرب الطبيب "عبد الحق صحراوي".

ومن ناحيةٍ أخرى شكّلت وفاة والده سنة 1987م تجربةً عصيبةً في حياته؛ حيث إنّه لم يشهد اللّحظات الأخيرة لوفاته بسبب ظروف إقامته في الولايات المتحدّة الأمريكيّة، واضطرّت العائلة لإخفاء الأمر عنه مدّة طويلة، إلى أن سافر إلى الجزائر وعلم بالمصاب الجلل الذي ألمّ بعائلته. لقد كان وقع الأمر صعبًا عليه للغاية، وما تزال آثاره عالقةٌ بداخله، ولعلّ أشدّ ما يؤلمه أنّه لا يملك ذكريات عن آخر لحظات حياة والده أو كلماته الأخيرة.

ومن الأحداث التي عاشها الدكتور بلقاسم حبه، يبرز اثنان منها شكّلا منعرجًا حاسمًا في حياته بأكملها:

  • أحدهما: العرض الذي تلقّاه من زميلين له في جامعة "ستانفورد" في الولايات المتّحدّة الأمريكية، بإنشاء شركة مصغّرة في مجال الإلكترونيّات، يتولّى هو فيها منصب المسؤول عن التّكنولوجيّات. ونظرا لأنّ ذهنيّة إنشاء الشّركات لم تكن صميم تفكيره، فقد رفض الدّكتور العرض، وانصبّ اهتمامه على إتمام أطروحة الدّكتوراه.

وبعد قرابة السّنتين التقى بزميليه، وكانا قد حقّقا هدفهما، وأنشآ شركتهما الخاصّة، وكانا يومئذٍ بصدد عرض ما حقّقته هذه الشّركة من منجزات. لقد كان وقع الأمر كبيرًا في نفسه؛ إذ رأى فيه أقرانه من التّفوّق والامتياز ما لم يره هو في نفسه، وعرضا عليه ما هو أهلٌ له، ولكنّه لم يلتفت إليه لأنّه لم ير القابليّة في نفسه لقبول عرضٍ كهذا، رغم ما يملكه من مؤهّلات علميّة وعمليّة... لقد علّمته هذه الحادثة كيف يثق في نفسه وقدراته، ويحسن التّعامل مع معطيات

الفرص التي تُتاح بين يديه.

  • ثانيهما: ولادة ابنه البكر "سامي" وهو يعاني من إعاقة دائمة، ظنّها الوالد الشّفيق في البداية نقمة ومصيبة على أسرته، ولكنّ توالي الأيّام، وتواتر الأحداث جعلاه يكتشف أنّ ما هو فيه نعمة من الله تعالى، يريد أن ينير بها أفقًا جديدًا في حياته، ويبصّره بما لم يكن العلم ليبصّره به يوما... لقد تعلّم - كما يرويه هو عن نفسه- أمورًا عديدة مع سامي... تعلّم أنّه في زخم الحياة وغمرة الأحداث لابدّ من التّوقّف للنّظر في أحوال النّاس واحتياجاتهم، لأنّهم بحاجةٍ إلى نمط خاصٍّ من المعاملة... لقد غيّر ابنه حياته بالفعل.

قالوا عن الدّكتور بلقاسم حبه...

«كثيرًا ما كنت أتضايق حين أرى أقران بلقاسم يرتدون ثيابا أحسن من ثيابه، ويملكون إمكانيّات مادّية أفضل منه. وحين يراني كذلك يعانقني ويقول لي: يا أمي، لا تقلقي، فأنا لا يهمّني من لبس أحسن مني، بل ما يهمّني هو دراستي فقط»  (السّيّدة خديجة بودرهم: والدة الدّكتور).

«كان بلقاسم مختلفا جدًّا عن إخوته؛ فكثيرًا ما كنت أراه عاكفًا على آلة يفكِّكها ليعرف أجزاءها وطريقة عملها، أو يصنع الألعاب لأقرانه، ويدعوهم إلى المنزل ليتسلّوا بها معا... أمّا في البيت فقد كنت أسارع دومًا للاستنجاد به في إصلاح الأدوات التي يصيبها العطب...» (السيّدة خديجة بودرهم: والدة الدّكتور).

«كانت سقيفة "عمّي محمود بوزقاق" مقرّ اجتماعنا-نحن التّلاميذ- مع بلقاسم خارج أوقات الدّراسة، حيث نلتقي فيها لتناول الغداء والمراجعة... كلّ من عاشره تنبّأ له بمستقبلٍ دراسيٍّ مشرق، نظرًا لما كان يتمتّع به من أخلاقٍ رفيعةٍ في الحوار، وانضباطٍ في العمل، وعلوٍّ في الهمّة، وهي صفاتٌ إذا اجتمعت في شخص قادته إلى أعلى سلّم النّجاح بإذن الله» (أ/ عمار نتّيش: صديق الدّكتور).

«رغم إتقانه للّغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة إلاّ أنّه حريصٌ دومًا على محادثة الجميع بلغةٍ عربيّةٍ بسيطة، ورغم أنّه عاش في اليابان، ودرس في أشهر الجامعات الأمريكيّة، والتقى بأعظم العلماء والمخترعين، إلاّ أنّه بقي دومًا بلقاسم الذي نعرف تواضعه وبشاشته... » (عمّي الطّيّب ذياب: أحد جيران الدّكتور).

«كان بلقاسم يتمتّع بالرّزانة منذ صغره، وكنت أرى فيه ملامح الرّجولة في جسمه الصّغير النّحيل... كان يبدو لي في بعض الأحيان منشغلًا عن الدّرس، ولكنّي إذا وجّهت له سؤالًا، أظهر لي جوابه أنّه أكثر انتباهًا من غيره، وأفضل متابعةً للدّرس من زملائه...» (أ/ عبد القادر جروني: معلّم الدّكتور في المرحلة الابتدائيّة).

عَالَم الاختراعات... إرهاصاتٌ...وتجارب... وتطلّعات

(مقتطفات من حوار حصريّ أجرته "مؤسّسة وسام العالم الجزائريّ" مع الدّكتور "بلقاسم حبه" بتاريخ: 27/09/2015م).

«إنّ السّبب الذي يدفع العالِم للاختراع ليس السّعي وراء الشّهرة أو جمع الأموال، وإنّما منطلقه الأساس هو تسهيل الحياة الاجتماعيّة وأسلوب المعيشة للإنسانية جمعاء...».

«رغم المساعي التي تخوضها المجتمعات في تحسين احتياجاتها على مستوى الجانب المادّيّ، فإنّ التّطوّرات الاقتصاديّة المتسارعة حاليًا تثبت أنّ المستقبل سيكون للعلم... ستختفي الأموال، وسينضب البترول، ولكنّ العلم سيبقى هو الرّائد دومًا... ».

«انّ تكوين شخصيّة الطّفل المبدع ليست مهمّة المدرسة أو الأسرة كلّ على حدة، ولكنّها قضيّة مجتمعٍ بأسره؛ فالتّربية العائليّة لها دورٌ مفصليٌّ في القضيّة، وعلى الآباء والأمّهات مساندة أبنائهم، وتبنّي طموحاتهم وأحلامهم، وإعطائهم الوقت الكافي ليجرّبوا ويخفقوا ومن ثمّ ليتعلّموا. وعلى المدرسة أن لا تركّز في نقل العلوم والمعارف على الجانب النّظريّ الخالص، بل تتعدّاه إلى الجانب التّطبيقيّ، حتّى لا يبقى خيال الطّفل معلّقًا بمعارف نظريّة تجعله في حيرة من أمره إذا أراد تطبيقها».

«هناك علماء جزائريّون قادرون على رفع التّحدّي في الجزائر، ولكنّهم يحتاجون إلى الدّعم، سواء من طرف الدّولة أو من طرف الشّركات الخاصّة من أجل تمويل مخترعاتهم، وإلاّ فما قيمة اختراع إذا لم يتمّ شراؤه أو التّرويج له؟ علمًا أنّ هذا الاستثمار سيكون مفيدًا ومربحًا لكافة الأطراف، بما في ذلك المخترع ومموّل الاختراع ومستعمله...».

«علّمتني التّجارب والأحداث التي مررت بها في حياتي أنّه إذا بدت لي ملامح فكرة في ذهني فلا أفلتها، مهما بدت لي بسيطة، بل أواصل التّركيز عليها، وأعمل على تحقيقها... ليس المهمّ أن تقودني إلى النّجاح، ولكنّ الأهمّ هو أن أواصل السّير في طريق حلمي إلى الأخير... عندما كنت في سنّ الثّانية عشرة من عمري صنعت لعبةً بسيطة، ولكنَّ الجميع سخر منّي. ثم مرّت السنوات، وحصلت على شهادة الدكتوراه، وطوّرتُ اللّعبة ذاتها، وحصلتْ على شهرةٍ عالميّة، وتجاوزت مبيعاتها نصف مليون نسخة على الأقل... لقد تعلّمت أنّ الأفكار البسيطة هي التي تصنع النّجاح».

«أحثّ الشّباب الجزائريّ على طلب العلم، ومواصلة مشوار التّكوين لأبعد مسار ممكن، لا ليتعلّموا فقط، أو ليحظوا بوظيفة، ولكن ليبدعوا... لينشئوا مشاريع خاصّة بهم... ليطوّروا تكنولوجيا جديدة... فهم جديرون بذلك وقادرون على تحقيقه».

«رغبتي الأولى والأخيرة في الجزائر هي إنشاء مختبر علميّ بمواصفات عالميّة، يستفيد منه الباحثون الجزائريّون... ولو تمكّنت من تحقيق هذه الرّغبة فسأعتبرها أعظم إنجازٍ لي في وطني...».

 الإنجازات:

- 350 براءة اختراع منحت في الولايات المتحدة الأمريكية.

- أكثر من 1100 براءة اختراع سُجّلت ومُنحت من مختلف دول العالم.

- صُنِّف من بين المخترعين الـ 100 الأفضل في العالم سنة 2012م.

- صُنِّف من بين المخترعين الـ 100 الأفضل في العالم سنة 2014م.

- صُنِّف من بين المخترعين الـ 100 الأفضل في العالم سنة 2015م (القائمة تتغير من أسبوع لآخر إلى غاية نهاية السنة).

- صُنِّف من بين المخترعين الـ 100 الأفضل في العالم منذ سنة 2008 (2008 هي السنة التي بدأت فيه عملية إحصاء البيانات).

- أوَّل مخترع حصل على 300 براءة اختراع في شركة Tessera.

- لقب مخترع السنة في Tessera سنوات 2004، 2005، 2006، 2007م.

- أفضل مخترع في N.E.C.  باليابان سنة 1992م.

- أحد مؤسِّسي منظمة: AAF-CEST (Algerian-American Foundation for Culture, Education, Science and Technology ).

- مساهمٌ في إنشاء منظمة Algerian Start Up initiative (ASI).

- مؤسِّس موقع  Algerian inventors في 2007م.

منشورات علمية ومحاضرات:

- حوالي مئة منشور علمي ومحاضرة تم إلقاؤها في مختلف دول العالم.

- مشاركة  في افتتاح Nasdaq في 14 جوان 2007م، وإعلان دخول شركة Tessara في البورصة.

- منتج للعبة عائلية تعليمية سنة 1990 ("Wo LiebtDenn Honolulu ?")، واللعبة مرخص ومنتج من طرف الشركة الألمانية Ravensburger. والتي بيعت بأكثر من 100.000 نسخة.