قالوا عن الوسام....
 
بتنظيم محكم مبهر، وفي جو علمي مهيب ماتع بهيج واستثنائي عطره حضور العلماء من كل التخصصات، وخاصة المؤرخون والأدباء والشعراء والفنانون والفلاسفة والمفكرون وعلماء الاجتماع وأصحاب المعالي والسعادة من الوزراء والسفراء ومدراء الجامعات ورؤساء المؤسسات والمجالس والنوادي والطلبة تم تكريم المؤرخ والمفكر ناصر الدين سعيدوني وابنه معاوية بحضور العائلة الموسعة بوسام العالم الجزائري يوم الجمعة 17 ديسمبر 2021 بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر العاصمة تحت شعار نعم للجزائر علماؤها .... تشرفت بالحضور لحفل التكريم بدعوة كريمة من مؤسسة وسام العالم الجزائري وألقيت كلمة بالمناسبة ممثلا لمخبر الدراسات التاريخية والأثرية في شمال إفريقيا بجامعة ابن خلدون بتيارت هذا نصها: " المؤرخ المفكر ناصر الدين سعيدوني علامة فارقة في البحث التاريخي:
يتميز الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني عن غيره من الأساتذة والباحثين بحبه الشديد للتاريخ؛ فهو يعيش الوقائع التاريخية، ويستدعيها من الماضي بمنهجيته كما وقعت ويبعث فيها الروح وتصير حية ماثلة أمامك. له قدرة عجيبة على طرح الإشكاليات البحثية والتفاعل معها، وتناولها بكل أبعادها وسياقاتها التاريخية والاجتماعية والفكرية والسياسية، وله إطلاع واسع وحديث على مختلف المصادر والمراجع من أرشيف ومخطوطات وكتب ودراسات منشورة، ومجلات علمية ومراكز بحث وطنية ودولية.
عندما تُقابل المؤرخ ناصر الدين سعيدوني تزداد تعلقا بالتاريخ إن كنت من المُشتغِلين في حقله، وتفتخر بانتسابك له، تحب هذا التخصص وتتأسف على عدم اختيارك له إن كنت من غير أهل الاختصاص. حكى لي أكثر من مرة أن أبناءه؛ وهم من تخصصات علمية، تمنوا لو أنهم درسوا التاريخ واختصوا فيه، ونصحني بتوجيه أبنائي إليه. لم أتذوق طعم التاريخ، ولم أشم رائحة الأحداث التاريخية، ولم أشعر بحيوية هذا التخصص إلا معه في أكثر من مناسبة علمية داخل الوطن وخارجه منذ أكثر من عشرين سنة. لا استبعد أن يكون هو السبب في تحولي من الاختصاص في الدراسات القانونية - وقد تحصلت فيها على شهادتي الليسانس والكفاءة المهنية للمحماة في تسعينيات القرن الماضي- إلى التفرغ الكلي إلى التاريخ.
تشرفت بتأطير المفكر ناصر الدين سعيدوني لي في مرحلتي الماجستير نهاية القرن الماضي (عام 1999م) بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، والدكتوراه عام 2007م جامعة الجزائر2 بإشراف مزدوج مع جامعة آكس-مارساي بفرنسا. ناقشت معه العديد من الرسائل الجامعية، شاركت معه في كثير من الملتقيات الوطنية والدولية بمدن الجزائر ومعسكر وبجاية وفرنسا وطوكيو. وفي كل هذه المناسبات، كانت قضايا التاريخ الأساسية الكبرى حاضرة بأبعادها التاريخية والحضارية والهُوياتية، وكانت ثورة التحرير الجزائرية معلما بارزا في مسلسل الأحداث وخط التفكير.
أشهد لسعديوني بحبه للوطن راقيا مزدهرا حرا مُستقلا، وبغيرته على مكونات هُويته من دين إسلامي ولغة عربية وتراث أمازيغي محلي شعبي. هو دائما في ظهر الباحث يُسانده، يُشجعه ويُوجهه ويرفع من معنوياته ويُدافع عنه. متفتح على جميع الأفكار والرؤى، يؤمن بحرية الفرد والبحث العلمي، ويتأسف غاضبا على وضعيته بالجزائر. يجد فيه من يرافقه ويصاحبه الأستاذ النصوح، والأب الحنون، والصديق الوفي، والأخ المرشد. شيخ بروح الشباب وعنفوانه، لطالما ردد قائلا أمامنا: "أعطوني شبابكم، وقايِضوني به خبرتي وتجربتي".
مما أتذكره من ذكريات رائعة مع سعيدوني أنه قال لي ونحن بالقرب من شجرة الدردارة خارج مدينة معسكر عام 2014: "هذه المنطقة كانت مشتلة للعلماء، أنجبت عظماء مثل أبي راس الناصري والأمير عبد القادر، وهذا الأخير هو عظيم عظمة هذا الشعب الجزائري، تجاوزت مكانته وأدواره حدود الزمان والمكان، وقد تلمست بركاته في حياتي". وزارني سعيدوني ذات مرة في فرنسا عام 2006 عندما كنت مقيما بها - قادما إليها من الكويت في إطار جولة سياحية له بأوربا- وقال لي: " تنفس الحرية يا ودان، وأتقن اللغات، تدرب على المناهج الغربية واكتسب منها ما يُفيد ".
وبينما نحن في مطار استانبول متوجهين إلى اليابان نهاية عام 2015 للمشاركة في ملتقى دولي حول الوقف ضمن كوكبة من الباحثين من دول عربية وأوربية وأسيوية، وصف الشعب التركي بـأنه "الشعب المعجزة، نهضته في اطراد مُبهر، يتعلق بهُويته وينفتح على الحضارة الغربية بايجابية ". وبعد جولة استطلاعية في مدينة طوكيو والوقوف بضفاف المحيط الهادي، والتنقل جنوبا إلى مدينة كاماكورا الواقعة في وسط جزيرة هونشو بمحافظة كناغاوا وزيارة المعابد البوذية، شدد سعيدوني على أن الوثنية لم تمنع الشعب الياباني من ترتيب أوراقه بعد خراب الحرب العالمية الثانية، والنهوض بالتكنولوجيا المتقدمة.
مهما قلت في سعيدوني من كلمات وسردت من أخبار لن أوفيه حقه، ويبقى طودا شامخا في سماء التاريخ، فإذا كان البعض يفتخر بأنه اشتغل على تكوين الرجال ويعتز البعض الآخر بتأليفه للكتب، فإن ناصر الدين سعيدوني البوزيدي وفقه الله إلى النجاح في المهمتين معا، فطلبته في كل مكان داخل الجزائر وخارجها، وكتبه ترصّعت بها رفوف المكتبات الورقية والرقمية، رحمه الله حيا ومَيِتا.
 
 
أ.د. ودان بوغفالة، مخبر الدراسات التاريخية والأثرية في شمال إفريقيا، جامعة ابن خلدون، تيارت