أ.د محمد موسى باباعمي

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدي وحبيبي محمد، مَن رُصِّع بأعظم وسام نزِّل من السماء إلى الأرض: "وإنك لعلى خلق عظيم"...
سادتي،
من سفوح قلوبِكم الوضاءةِ أعبُّ الحسن عبًّا،
بطلعة محياكم البهيِّ ينعقد اللسان عيًّا،
سادتي العلماء؛ أخجلتمونا بأنفساكم الملائكيةِ ترفرف فوق المكان، وبأخلاقكم الربانيةِ تغمر بالجمال الزمان،
سادتي الوافدين: آباءً وأمهاتٍ، إخوانا وأخواتٍ، بنينَ وبناتٍ، جمعياتٍ ومؤسَّسات، مدارسَ وجامعات؛ سكنتُم سويداء قلوبنا بلا استئذان، فملكتم مشاعرنا، وألهبتم حماسنا... فطفِقنا نردِّد سويًّا نغَم الفجر الأصيل، شعارَ هذا البلد الجليل:
نعم، للجزائر علماؤها
******
سادتي، اسمحوا لي أن أنوب عن جيلي، وجيل مَن بعدي، فأقول:

• نحن جيل لم يذق ويلات الاستعمار، فلم يعذَّب على يد لاكوست ولا بيجار،
• جيل – أسفًا - لم يحفَل بأوَّل رصاصة تخترق حجُب الظلام، لترسِم للتاريخ خطَّ الثورة وضَّاح السَّنام،
• نحن جيل لم ينعم بفورة التحرُّر والانعتاق، فلم تزغرد نساؤنا يومَها، ولم تذرف أعيننا دموع النصر ساعتها... واحسرتاه،
• جيل لم يتألم من حماقات البعض حين راح يساوم في أمن البلد غداة الاستقلال، وكاد يشعلها حربا للولايات نارا تسعَّر...
• نحن جيلٌ لم يقف إلى جوار الشعب والصادقين من القادة، حين قطعوا الطريق على الأطماع، فأعادوا المياه إلى مجاريها؛
• نحن جيل لم تكظِم النكسةُ العربية، قلوبَنا حزنا، ولا أفئدتنا أسى،
• جيل عرف شيئا من الرخاء، ثم عاين الكثير من الشدة سنين عجافا ذابلة، في عشرية سوداء دامية،
• ولكننا جيل أسهم في إيقاف النزيف بروحه ومهجته: كاتبا صادقا، ومعلِّما أمينا، وعسكريا صابرا، وتاجرا ناصحا، وسياسيا وفيا، وإماما حفيًّا...
• جيل رفض كلَّ ألوان الاستفزاز التي دعته إلى أن يثور على ذاته، ويخرِّب بيته بيده، ويزرع الدمار في أركان الجزائر وبين أرجائها... جيل ثائر على ما سمي زورا "الثورات العربية"، أو "ثورات الياسمين".
• جيل عاهد الله أن لا يعيد القاطرة إلى محطة الانطلاق والإبراح، حتى ولو كلفه ذلك ذهابَ عمره أدراج الرياح...
• جيل بات اليوم يبحث عن قضية، يعيش لأجلها، يموت من أجلها... قضيةٍ يذوب فيها، يتحرَّك حين يتحرَّك بسببها... قضية تسكنه ويسكنها...
*******
تتعالى أصوات الشؤم منذرة "بأزمة اقتصادية" لا تبقي ولا تذر، ولكنَّ الأزمة سادتي تتبدَّى في غيابِ القضية، وضياعِ الأمل، وفسادِ الخلق، وجفاءِ الأخ أخاه، والأنانيةِ تغتال البراءة والمستقبل، وبلبلةِ اللسان، واختلالِ منطق الحياة...
أزمتنا تتجلَّى على كلِّ ضمير متبلِّد، وخلق متجمِّد، وأفكار متعفنة، ومشاعر متنافرة، وسلوكٍ يوميٍّ مصطبغ بالحماقة والبلادة، وكثيرٍ من الغرور والكبرياء، وتشويهٍ للحقائق ظاهرا وباطنا...
سادتي العقلاء الحكماء؛
نحن ندعو اليومَ – من خلال وسامنا - إلى ثورة بيضاء، على الشدة والعنف والجفاء، لصالح التسامح والعفو والوفاء،
• ثورةٍ بيضاء على الجهل لبناء "العلم يتلوه العمل"، ثورةٍ على الجهالة لتشييد "المعرفة يزينها العرفان"،
• ثورةٍ بيضاء على كلِّ أحمقٍ غرٍّ يقدِّم مصلحته الخاصة على مصلحة الوطن،
• ثورة بيضاء سلمية على الجهوية والمحسوبية، وعلى اليأس والقنوط، وعلى ضروب الكسل والفشل...
• ثورةٍ روادها خيرة أبناء هذا البلد المعطاء، بلد الجزائر، أرض النبل والكرم والفداء..
• ثورة بيضاء تكون شامة على جبين جيلنا، وأجيال مَن قبلنا ومَن بعدنا...
• ثورة بيضاء تفخر بأسماء جديدة، امتدادا لأسماء قديمة؛ فيكون فيها وسام الشرف في العلم لسعد الله، وناصر، وميموني، وقسوم، والحسني، وبويزي، وبولنوار، وتومي، وبعموري، وبحاز، وجبار، وحبة... وغيرهم من العلماء المخلصين المنصفين، العالمين العاملين...
• ثورة هي اليوم تذكِّر الناس أنَّ البترول نعمةٌ، ولكنها نعمةٌ تنضب وتغور، وأنَّ ساعات العمل الجاد، وساعات البحث العلمي الرصين، وساعات المرابطة في ثغور المستشفيات، والجامعات، والثكنات، والمزارع، والمدارس، والمتاجر... هي التي تصنع الفرق، وهي المخرج من الأزمة لمن وعى...


سيدي، عروسُ هذا اليوم الأغرِّ، الجراحُ الخبير، البروفيسور بن عيسى عبد النبي؛ أنت فينا مثال لجيلنا، عنوانٌ لثورتنا، وإني لا أملك أن أقول فيك أكثر مما جاء على لسان من عرفوك، ومن افتخروا بك، فكتبوا عبر رسائلهم، وفي مواقعهم، وبين ثنايا صفحاتهم...
كتبوا صادقين منصفين، وألسنة الخلق أقلام الباري:
• ربي يكثَّر من أمثالك، ويطول في عمرك... (دارجة)
• ربي يجعل العمليات الجراحية اللي دارها في ميزان حسناته...(دارجة)
• لم أجد في حياتي شخصًا بمثل نوره وقمة تواضعه وأخلاقه، لي الشرف الكبير أني درست عنده...
• ألف مبروك لأستاذنا الذي يُعتبر من القمم التي تفخر بها الجزائر، ومن المدارس التي تركت وراءها جيلا سيبقى وفيا له ولمبادئه، وسيبقى ذخرا في خدمة العلم والأمة والوطن.
• هنيئا للطب الجزائري في هذا الوسام، لقد مثله ابن عيسى أحسن تمثيل...
• ما شاء الله، هؤلاء هم فخر الأمة.
• ومن فلسطين جاءت هذه التهنئة: تهانينا الطيبة والحارة لزميلنا وأستاذنا الفاضل من فلسطين إلى الجزائر الحبيبة...
• أستاذنا ابن عيسى، تقول طالبة لكم: جميل أن أكون على نفس التراب الذي تدوسون...
• ويعترض كاتب فيقول: لكننا لا نعرف في الساحة الإعلامية سوى المشهَّر بهم في الفساد، أو لاعبي الكرة... يعني، لو أتوا بمثل هذا العالم، وغيره بالآلاف في تخصصات مختلفة، لتغيرت نظرة المواطن لبلده، ولصارت نفسيته محفَّزة للعمل والعلم، والخلق والإبداع.
• وحتى من لا يعرفك أستاذي يقول: ألف مبروك، لستُ من أسرة الطب، ولا أعرفه، إلا أنه من خلال التعليقات، ومن خلال صورته، يظهر عليه سمات النبل والأخلاق الحسنة والتواضع... وفي الحديث الشريف: "من تواضع لله رفعه الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس عظيم".
• ومن فرد في العائلة نسمع: أكثرُ من أربعين عاما من التضحية والعطاء، يشهد له العام والخاص، داخل التراب الوطني وخارجه، لا عطلة َكاملة، ولا نهايةَ أسبوع عادية... أفراحه كانت دوما مرتبطة بحالة المرضى، هو جيل من الرجال المؤمنين بقضاء الله.. وهو قريب جدا من ربه.
• وكلمة حارة من أخيك هديةً يقول فيها: أنا فخور به طبعا، هو أخي، وإني أرى ظل والدي رحمه الله ونفْسه مطمئنَّة بإتمام واجبه عند ربه، الحمد لله... يا والدي ارقد في مثواك في سلم وهناء، فإنَّ ابنك بن عيسى بات اليوم مفخرة لك ولآبائك... نحن جميعا اليومَ، عائلة عبد النبي فخورون بابن عيسانا (إذا جاز)..

nous sommes toute la famille Abdennebi aujourd’hui heureux de notre Benaissa..


سادتي، يكفي أن نتمثل جميعا آية كريمة وحديثا شريفا؛ حتى نَشيد لبلدنا الجزائر غدًا - بإذن الله - مشرِقا، ومستقبلا - بحول الله - مُزهرا:
أما الآية فقوله تعالى في سورة آل عمران:
"الذين قال لهم الناس: إنَّ الناس قد جمعوا لكم، فاخشوهم. فزادهم إيمانا؛ وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل، لم يمسسهم سوءٌ، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم "
.
وأمَّا الحديث، يا أهل السفينة البررة، فقوله عليه السلام:
"مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذين في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا"
.
جزائرنا سفينة موارة، نحن ربانها وركابها... هي أمانة بين أيدينا... شعارها: "وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"....
جزائرنا إلى النجاة أقرب إن شاء الله... والله يحكم لا معقب لحكمه، وإليه ترجعون... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
محمد باباعمي، الكلمة الرسمية "وسام العالم الجزائري"، 17 ربيع الأول 1438هـ - 17 ديسبمر 2016م