
وهو يطوف بأروقة المعرض الدولي للكتاب، وبينما يقلّب نظره يمنة ويسرة لاستكشاف الجديد من الكتب رفقة زوجته المصاحِبة له، لمح صورة رجل يتحدث في شاشة كبيرة في جناح أحد العارضين توقّف مباشرة وحملق في الشاشة ثم بدأ يهمس إلى زوجته.
واستمر في مكانه ما بين همس ومشاهدة للشاشة لما يقرب الدقيقة.
وأنا أرقبه، قلت في نفسي ربما عنده تحفّظ على هذا الرجل الذي كرّمناه في إطار مؤسسة وسام العالم الجزائري، فالرجل مارس السياسة في عز الأزمة الوطنية التي عصفت بالجزائر في التسعينيات، ولكنه لم يبق في منصبه كثيرا وغادر بعدها الجزائر، ولكن التكريم جاء في إطار جهوده العلمية والبحثية في ميدان تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فتبادر إلى ذهني السؤال، هل هناك تحفظات على هذا العالِم؟
لقد بدا من هندام الرجل وهندام زوجته أنه ممن يحلو للبعض أن يصنّفهم باسم "السلفية"، وهو اسم يطلق على كل من يلبس القميص ويطلق اللحية..
اقتربت منه محيّيا فرد التحية وبادرني بالكلام:
هذا الرجل... هو نقطة انعطاف في حياتي الدراسية..
سألته: إيجابا أم سلبا؟
قال: عندما كنت أدرس في جامعة هواري بومدين بباب الزوار، وكنت حينها على شفا الانسحاب من صنف الطلاب؛ حيث بدأ ينتابني شك في التعليم الجامعي، وفي التكوين، في التخصص الذي أنا بصدده..
قلت: ثم؟
أجاب: في يوم من الأيام تم استضافة الدكتور أحمد جبار ليلقي علينا محاضرة في تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة باب الزوار، وكان من الحاضرين بعض الباحثين الفرنسيين.
وقد عرفت حينها ومن خلاله أن للعلماء المسلمين الكثير من الإسهامات العلمية الجليلة وإن أنكرها العالم الغربي، بل وجدت أن الكثير من الاكتشافات هي في أصولها من إنجاز هؤلاء العلماء المسلمين.
وما استوقفني أكثر هو اعتزازه بأمثال هؤلاء العلماء، ففي فترة المناقشة احتج الباحثون الفرنسيون الحاضرون في القاعة من مبالغته في نسبة كل ذلك للعلماء المسلمين، فأجاب: لقد احترمت فيكم الضيافة، وإلا كنت قلت أن كل ذلك منطلقه هو القرآن الكريم.
لقد كان الجواب بالنسبة لي صادما ومنبّها لي من الغفلة، فالقرآن الكريم بين يديّ وأنا دائم التلاوة والمسارعة إلى ختمه فكيف لم أستطع أن أحقّق بعضا مما حققه هؤلاء؟؟؟
هذا الشاب مع زوجته لم يستوقفهما اسم المؤسسة أو "شهرتها" فهما لا يعرفان عنها شيئا، ولكن استوقفهما هذا العالِم العامل، وهو ينافح من أجل قضية كونية أمله أن تفنى روحه وهو في خدمتها.
هي رسالة لي وإلى القراء الأفاضل وصلت في المعرض الدولي للكتاب حيث المعارف والعلوم تتوزّع ويبقى السؤال ما هو إسهامنا فيها وما هو جهدنا في تبليغ رسالة الإسلام والقرآن للعالمين؟
Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast